للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البكاء من خشية الله]

عباد الله! ما أسعدها من لحظات يجلسها المرء خالياً فيها مع نفسه، يناجي ربه وخالقه، فينهمر دمعه عذباً صافياً خالياً من لوث الرياء، وإن نيران المعاصي التي تأتي على قلب المسلم فتحيله إلى فحم أسود كالكوز مجخياً، لا يطفئها إلا تلك الدموع التي تنهمر على إثر ذكر الخالق وخشيته، ولقد كان ابن سيرين رحمه الله تعالى يضحك بالنهار، فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية من شدة البكاء! ولقد كان أيوب السختياني رحمه الله ربما حدث بالحديث فيرق فيتمخط ويقول: ما أشد الزكام.

يظهر أنه مزكوم لإخفاء البكاء؛ رجاء أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

وقام محمد بن المنكدر ذات ليلة فبكى فاجتمع عليه أهله ليسألوه عن سبب بكائه فاستعجم لسانه، فدعوا أبا حازم فلما دخل هدأ بعض الشيء فسأله عن سبب بكائه فقال: تلوت قول الله: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] فبكى أبو حازم، وعاد محمد بن المنكدر إلى البكاء، فقالوا له: أتينا بك لتخفف عنه فزدته بكاءً!

روى النسائي وأحمد من حديث عقبة بن عامر قال: {قلت: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك}

فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أنه لا بد من الخوف والبكاء، إما في زاوية التعبد والطاعة، أو في هاوية الطرد والإبعاد، فإما أن تحرق قلبك -أيها المسلم- بنار الدمع على التقصير، وإلا فاعلم أن النار أشد حراً {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة:٨٢]

فانظروا عباد الله! إلى البكائين في الخلوات، قد نزلوا على شواطئ أنهار دموعهم، فلو سرتم عن هواكم خطوات لاحت لكم قيامتهم ولسمعتم بكاءهم ونشيجهم، ولسان حالهم يقول:

نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرارُ

من ذا يعيرك عينه تبكي بها أرأيت عيناً للدموع تعار

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم ارض عن صحابته الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم أظلنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك يا أرحم الراحمين، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم، اللهم آمنا في أوطاننا، واصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.