وبعدُ يا رعاكم الله! فإن من حق نفسك عليك -أيها المرء- أن تفرح بعيدها، فالله -جلَّ وعلا- جعل الفرح والرَّوح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في السخط والشك، وساخط العيش -عباد الله- هو في الحقيقة كثير الطيش، وكأن الدنيا في عينه سَمُّ الخياط، حتى يكون حرضاً أو يكون من الهالكين.
والعيد -عباد الله- مسرح للاستئناس البريء البعيد عن الصخب والعطب، بيتاً ومجتمعاً وإعلاماً، ومتى تجاوز الناس حدود الله في أعيادهم، من لَهْو محرم، وإيذاء للآخرين بالضجيج والأهازيج، فما قَدَروا الله حق قدره، وما شكروه على آلائه، ولقد رأى علي -رضي الله تعالى عنه- قوماً يعبثون في يوم عيدٍ بما لا يرضي الله، فقال:[[إن كان هؤلاء تُقُبِّل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا لم يُتَقَبَّل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين]] ، ورحم الله ابن القيم حين قال عن الفرح: إن الله -عزَّ وجلَّ- سيسوق هذه البضاعة إلى تجارها، ومن هو عارف بقدرها، وإن وقعت في الطريق بِيَدِ مَن ليس عارفاً بها فرُبَّ حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، {ومَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراًَ}[الجمعة:٥] .
فعلى المسلم إذاً ألَّا يكون مفراحاً إلى درجة الإسراف؛ لأن الله لا يُحب الفرحين من أمثال هؤلاء، إذ بمثل هذا الفرح يتولد الأَشَر والبَطَر، ويدل لذلك قوله تعالى:{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}[الناس:٤] ففد قال بعض المفسرين: "إن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن والفرح، فإذا ذكر الله خَنَسَ".
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، والله الله في الانضباط حال الفرح والسرور والابتهاج، فالمؤمن الصادق لا يفرح إلا فرح الأقوياء الأتقياء، وهو في الوقت نفسه لا يبغي ولا يزيغ ولا ينحرف عن الصواب، ولا يفعل فعل أصحاب النار الذين قال الله فيهم:{ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}[غافر:٧٥] .
وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:[[كل يوم لا يعصي العبد فيه ربه فهو عيد]] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صواباً فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.