للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعظم فوائد السفر المتعلقة بالله]

وبعدُ -عباد الله- فإن من أعظم فوائد السفر، وأكثرها تعلقاً بالله: معرفة عظمته وقدرته، بالنظر إلى ما ابتدعه جل وعلا خلقاً جميلاً عجيباً، من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، وما ذرأ فيه من مختلف الصور التي أسكنها أخاديد الأرض، وخروق فجاجها، ورواسي أعلامها، من أوتاد ووهاد، فصار منها: {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر:٢٧] ومن ذوات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات:٢٦] ، كونها بعد أن لم تكن في عجائب صور ظاهرة، ونَسَقها على اختلافها، بلطيف قدرته ودقيق صنعه، فمنها: مغموس في قالب لون لا يسوغه غير لون ما غُمس فيه، ومنها: مغموس في لون صِبْغ قد طُوِّق بخلاف ما صُبغ به: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] .

فسبحان من أقام من شواهد البينات على عظمته وقدرته؛ ما انقادت له العقول معترفة به، ومستسلمة له! فبان لها أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، فالويل كل الويل لمن جحد المقدِّر، وأنكر المدبِّر.

زعموا أنهم كالنبات، ما لهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، وغاب عن عقولهم المختلة، وأذهانهم المعتلة، مَن عقلُه أكبر من حضارتهم، بعبارات ثرة على أعرابيته وبداوته: سماءٌ ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وأثر يدل على المسير، وبعرة تدل على البعير، ألا يدل ذلك كله على اللطيف الخبير؟! {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام:٩٥-٩٦] .