[مشكلة الزواج]
إن في البلاد المسلمة اليوم مشكلات عويصة، من أعظمها وأعمقها أثراً في حياة الأمة المسلمة؛ مشكلة الزواج، والتي تتلخص في كلمات: هي أن في المسلمين آلافاً مؤلفة من البنات في سن الزواج لا يجدن الخاطب، وألوفاً أخرى مشاكلةً من الشباب لا يجدون البنات، أو لا يريدون الزواج، أو يصعب عليهم تحصيلهن على وجه السهولة واليسر.
وهذه المشكلة الظاهرة إن لم يتنبه إليها عقلاء المسلمين ممثلين في القيادات والعلماء، والدعاة والتربويون، وأصحاب الكلمة السيالة والمسموعة، ويتفتحوا لها طرق العلاج بالحلال، وهي ميسورة لراغب، والعقاقير دانية لمن أراد قطفها، لا ينقصها إلا يد تمتد إليها فتأخذها لتجرعها المريض، ولكن أين تلك اليد؟! غير أني ما قصدت اليد العضباء أو الشلاء، وحينها لن يجد الشباب والشابات للوصول إلى حاجاتهم الغريزية إلا سلوك الطرق الملتوية في نحو ما ذكرت عائشة رضي الله عنها أو يزيد؛ لأن الفساد الخلقي سبب في قلة الزواج، وقلة الزواج شوكة من طلع الفساد الخلقي.
إن الوقفة من ضرار الشهوة مع حياة العزوبة للرجل والعنوسة للمرأة مشكلة جد خطيرة، فهي إذا استفحلت نغصت العيش، ولم ينفع معها ملك ولا مال، وبدت سنونها كالعلقم يتجرع العازب مرها ويقاسي ضرها، ومن طلب إشباع غريزته من طرق غير ما أباح الله كان كمن يطلب وسط القبر من العظام والرميم الغادة الحسناء، أو بعبارة أخرى خضراء الدمن، وقد يكون مثل هذا التفكير في الطلب شبه واقع مشاهد في دنيا الناس، لأن المضطر إلى الرحل لن يدع ركوب الأسنة، ولكن الذي لا ينبغي أن يكون واقعاً مشاهداً أن يحس الفتى والفتاة بهذا كله، ثم يضطرهما واقع المجتمع بأسلوبه على مختلف المحاور إلى البقاء على العزوبة والصرف عن الزواج، والولوغ في حمأة الشهوة واسترقاق الجسد، من حيث يشعر المجتمع أو لا يشعر، ولن يخرج المجتمع بأي وجه كان عن مغبة ما قيل:
إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وهذه هي المشكلة وهي مكمن الداء.
ولربما كانت بعض المجتمعات تقول للشاب والشابة من خلال ممارساتها الطليقة بلسان مقالها تارة وبلسان حالها تارات أخرى: اختر إحدى ثلاث -كلها شر- ولكن إياك إياك أن تفكر في رابعها الذي هو وحده الخير ألا هو الزواج، وهذه الثلاث يرعاكم الله:
الأولى: إما أن ينطوي الشاب والشابة على نفسيهما، وعلى أوهام الشهوة والتفكير فيها وتغذيتها بما يرى من حبائل الشيطان حين يترك الحبل على الغارب، متمثلة له في غير ما سبيل، فيراها في السوق تارة على لسان حال امرأة متبرجة قد كشفت عن وجهها أو عينيها فأبرزت الحسن وسترت القبيح، وبثت مفاتنها لينزلق بها كل متلفت يترقب، فلا يلبث أن ينفجر من شرارة تخرج من عين امرأة تنسف به عقله ودينه.
أو في الأقطار الساحلية تارة أخرى على لسان حال أجساد عارية قد بدت سوءتها وكأن البيوت قد عريت عن مياه تغسل بها الأجساد.
أو في المكتبات ودور النشر الثقافي إذ زعموا على لسان جرائد مصورة ودوريات رمزاً للقحاة، أسلم ما فيها أنها غير سليمة.
أو في المدرسة والأزقة على لسان أصحابه الفساق المستهترين الذين أضحوا فريسة لكل لاق، وكذا لسان المدرسين والمعلمين الذين سلبت من نفوسهم أمانة الكلمة وحمل التربية والإرشاد، وألسنة الحال كثيرة كثيرة لا تعد، حتى تؤدي بهم الحال إلى الانهيار بالخلق والدين، ولسان حالهم يقول:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
الثانية: وإما أن يلجأ الفتى والفتاة إلى طرق سرية خفية؛ لإبراز قلة الشهوة وملأ الأرجاء بمثيراتها مما يستفزها لو هدأت، ويجوعها لو شبعت، والتي حرمها جمهور أهل العلم عملاً بقوله جل وعلا: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج:٣١] .
الثالثة: وإما الاغتراف من حمأة اللذة المحرمة بلا مكيال، والولوغ في مستنقعها وسلوك سبل الضلال؛ لتبذل فيها الصحة والشباب في لذة عارضة ومتعة عابرة، ثم هو لا يرتوي بل كلما واصل واحدة زاده الوصال نهماً، كشارب الماء المالح لا يزداد شرباً إلا ازداد عطشاً، وقديماً قيل في مثل هذا: وداوني بالتي كانت هي الداء.
بمثل هذا وأمثاله -أيها المسلمون- ينهار بناء الأخلاق، ويبور سوق الزواج، وينقطع نسل الأمة في هذا المنعطف الخطير، حتى يكون الرجل الواحد قيماً على أربعين امرأة.