عباد الله:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ}[الحديد:١٦] ؟ وتلين أفئدتهم؟ أفَقُدَّت مِن حجر؟ ألا يكلف المرء نفسه تحريك جفنيه وفتح عينيه ليرى صرعى البؤس والتشريد، وضحايا الظلم والعدوان والفاقة ماثلين أمامه في غير ما سبيل؟ ألا يرى ذلك فتأخذه بهم رحمة الإنسان؟ كيف يستطيع أن يهنأ صاحب الترفُّه بطعامه وشرابه؟! بل كيف يدلل صبيانه وبناته؟! وكيف يضاحك عياله ويمازح أهله وهو يرى في البوسنة والهرسك صبيةً مثل عياله برآءة؛ ما جنوا ذنباً، أطهار؛ ما كسبت أيديهم إثماً، يبكون من الحيف، ويتلمظون من الجوع؟ أفلا يكون للمسلم السهم الراجح، والقدح المعَلَّى في العطف على إخوانه في الدين، وفي كفكفة دموعهم والمسح على رءوسهم؟ أولا ينظر المرء إلى إخوانه تحت سيطرة الصرب الحاقدين؟ أولا ينظر المسلم إلى سقوفهم وقد وكَفَتْ، وإلى الجدران وقد نَزَّتْ، وإلى الغرف وقد اسَّاقَطَتْ، وإلى الجبال وقد سالت حمماً من القنابل والشظايا، وإلى الأودية وقد امتلأت جثثاً وهاماً وغدت أباطح، وإلى اختباء المضطهدين في البيوت، وما تكاد تمنع عنهم برداً ولا بللاً؟ أولا ينظر المسلم إلى مَن خرج من ساكنيها؛ فراراً منها حين لم تعدُ دوراً ولا منازلاً، وإنما صارت جيفاً وأشلاءً؟ يقف البوسنوي أمامها مشدوهاً ولسان حاله يقول:
إن القرآن الكريم يعطي الإنسان درساً لا يجحده؛ لأنه معقود من صميم الحياة، ولباب الواقع المتكرر، يقول تعالى:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}[النساء:٩] إن القرآن هنا يمس شغاف القلوب، ويهز أوتارها هزاً، ويدفع الناس دفعاً إلى تصور ذريتهم الضعيفة المكسورة الجناح تنهشهم أفاعي البشر، وتفتك بهم ذئاب الكفر، فقد تدور عليهم رحى الأيام، والأيام قُلَّب، فيصبحون لا حول لهم ولا قوة! يطمع فيهم الطامع، وما من نصير لهم ولا مدافع، والجزاء من جنس العمل.