[ما يراد بالمرأة]
يا أيها الأخت المسلمة! يا فتاة الإسلام! إن باب الإصلاح أمامك أنت أيتها المرأة، ومفتاحه بيدك، فإذا آمنت بوجوده وعملت على دخوله، صلحت الحال.
صحيحٌ أن الرجل هو الذي يخطو الخطوة الأولى أحياناً في طريق الإثم وقد لا تخطوها المرأة من قبل؛ ولكن لولا رضاك أنت ما أقدم، ولولا لينك لما اشتد عليك، أنت فتحت له الباب، وهو الذي دخل، ولو علمت أن ذلك الرجل وذلك الفرد الحاقد ذئب وأنت النعجة لفررت منه فرار النعجة من الذئب، وإذا كان الذئب لا يريد من النعجة إلا لحمها، فإن الذي يريده منك الغرب والرجل المستغرب هو أعز شيء عليك من اللحم على النعجة، يريد عفافك الذي به تشرفين، وبه تعيشين، يريد أن يوقعك في لذة ساعة، تظلين بعدها أبداً تتجرعين غصصها، ثم ينبو لطيفاً يفتش عن مغفلة أخرى يسرق منها عرضها.
إن الفتاة المسلمة مهما بلغت من المنزلة والغنى والشهرة فإنها لا تجد أملها بعد الله إلا في الزواج، فالزواج أهم أماني المرأة في الدنيا، والفاسقة المستهترة لا يتزوجها أحد، حتى الذي أغواها وأراق عفتها وكرامتها بين قدميه.
فتنبهي يا فتاة الإسلام! ولا تسمعي كلام أولئك الذين يزينون لك حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية والتقدمية، فإن عدداً من هؤلاء لا يهمهم منك إلا اللذة العارضة والشهوة المسعورة، هذا هو الحق فلا تسمعي غيره، فإذا شئت أصلحت نفسك وأصلحت بصلاحك الأمة كلها.
وأخيراً: أيها الإخوة! فإن الحديث عن المرأة لا ينتهي، والذي يهمنا أن نؤكده هنا: هو أن كل ما نقول من حق المرأة إنما هو من باب غيرتنا عليها كمسلمين، وحرصنا على صيانتها وحمايتها، ولا شك أن الواجب يضع على كل عاشق نصيبه من المسئولية، كل حسب موقعه ومكانته، فالحاكم راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والعالم راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والأب راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والأم راعية وهي مسئولة عن رعيتها، بل وكلكم راعٍِ وكلكم مسئول عن رعيته.
إلا أن الملاحَظ -أيها الإخوة والأخوات- أن الخطر قد بان من الخطورة بحيث لا يصلح لدرئه إلا الكبار من الناس، من آباء ومسئولين، وكما قيل: رب حكمة من مسئول تكون كالسد المنيع في طريق السيول.
وإن واجب الأمانة، ثم مصلحة الأمة الإسلامية يهيبان بكل مسئول من أب أو غيره أن يضغطوا -كما قيل- على كابح القاطرة قبل أن تسير بهم إلى الهاوية، ولا يكون هذا الكابح إلا في التشريع الإسلامي، الذي يفرض على المرأة الاحتشام، وأن تحتجب، وأن تكف عن السباق المحموم الذي تمارسه هي في حلبة التقليد الأعمى.
وعلينا جميعاً أن نعلم أن الستر والصيانة هما أعظم عون على العفاف والحصانة، وإن احترام القيود التي شرعها الله في علاقة الجنسين هو صمام الأمن من الفتنة والعار والفضيحة والخزي والدمار والشنار.
كما أن علينا أن نعلم جيداً أن ما يُثار من زوبعات حول المرأة، وأنها بوضعها الآني التي تعيش عليه إنما تعد متخلفة، وأن الحضارة مرتهنة بتحرير المرأة وخروجها من بيتها، كل ذلك من باب الغشش، وذر الرماد على العيون؛ لأننا نعلم جيداً أن أوائلنا كانوا سادة العالم عسكرياً واقتصادياً بل وثقافياً، فأين بدأت حضارة الطب أو الرياضيات أو العسكرية إلا من المسلمين، وإننا إن لم نتنبه لخطورة هذه الهوة فإننا لن نتداركها فيما بعد إلا بصعوبة بالغة تعجز عنه الشدائد، وكما قيل:
إذا لم يُغَبِّر حائط عند وقوعه فليس له بعد الوقوع غبارُ
ومن ثم علينا جميعاً من واجب المسئولية ما يؤهلنا إلى أن نحمي مجتمعاتنا وبناتنا من وسائل الهدم، سواءً كانت سمعية أو بصرية، مما يُنشر الاسم من خلالها، وإن بناتنا من أفضل ثمارنا، وخير زروعنا، إنهن الرياحين الناضرة في حياتنا، إنهن فلذات أكبادنا، وإن هذه الزروع توشك أن تموت، وأن يحرم منها كثير من المسلمين إلا من رحم الله، ويُخشى أن تعصف بها الريح بعد أن طابت ورجونا خيرها وبرها، وما أحسن ما قال ابن الرومي في ذلك:
وأولادنا مثل الجوارح أيها فقدناه كان الفاجع البيِّن الفخذِ
هل السمع بعد العين يغني مكانها أو العين بعد السمع تهذي كما يهذي
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.