للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدنيا وتأثيرها في المجتمع]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:٧٠] {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧١] .

أما بعد:

فيا أيها الناس: في دنيانا المحيطة بنا أمثلة وضروب تتلون وتتجدد، ثم إن بعضها يتبع بعضاً على وجه المطالبة الحثيثة بحيث إن النفوس المؤمنة تستمرئها بسبب تتابعها رويداً رويداً حتى تألفها فلا تكاد تتحول عنها، وهذه الأمور -عباد الله- إنما هي نماذج لأحزان وأشجان وقروحٍ تمس بلاد الإسلام حسية ومعنوية، مما يجعلها سبباً لكثير من الناس في أن يسعوا جاهدين على إزالة همومهم وغمومهم بشيء من الكيوف الموقوتة، والسراب الخادع، من كل ما هو من زخرف الدنيا وزينتها، والذي يجب على المسلمين جملة ألا يغتروا بما يرونه من زخرف الحياة الدنيا وزينتها في أمة تقطعت روابطها وانفصمت عراها قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:١٣١] .

من أجل الدنيا وزينتها يغش التجار ويطففون، ومن أجل الدنيا يتجبر الرفعاء ويستكبرون، ومن أجل الدنيا وزخرفها يروج الصحفي بقلمه الكذب والزور، ويخفي الحقائق وهي أوضح من فلق الصبح، ومن أجل الدنيا يصبح المرء مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا مقيت.

كل الناس على هذه البسيطة يغدو فبائع نفسه فمعتقها، أو نفسه فموبقها، من مترفٍ مبطون يأكل ولا يشبع، داؤه العضال هو: أن تذكره بذوي المسغبة أو المسكنة أو المصاب الجلل من بني ملته، ومن قارونيٍ يجمع ويجمع ثم يأخذ ويمنع، ومصابه الجلل في أن تحثه على الإنفاق في سبيل الله جهاداً ودعوة وصدقة، ومن شباب وفتياتٍ دعوا إلى الفضيلة فأبوا، ونودوا إلى صيانة النفس فتمردوا، وألقوا ثيابهم لكل قادمٍ ناهب، وكشفوا أوعيتهم لكل سبع والغ.

والحق -عباد الله- أن هذا الانطلاق المحموم في مهام الحياة ودروبها أفراداً ومجتمعاتٍ دون اكتراثٍ بما كان ويكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة؛ الحق أن ذلك نذير شؤم والعياذ بالله، وقد عده الله سبحانه سمة من سمات المنافقين الذين لا كياسة لديهم ولا يقين لهم قال تعالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:١٢٦] .

أيها المسلمون: في الليلة الظلماء يفتقد البدر، وفي لهيب الشمس وسموم الحر يستطلب الظل وتستجلب النفحات، وما أروع العدل حين يطغى الجور، والإنصاف حين يعلو الغمط، والوقوف مع النفس في مكاشفة ومصارحة في عصرٍ غلبت عليه المجاملات والرتابة، والفرقة والوحشة والتنافر بين النفوس شذر مذر.

ومن هنا يأتي الحديث ضرورياً عن الوحدة والاجتماع والتآلف والتآخي والتناصر والتكاتف في عصرٍ كثرت فيه الموجعات وقلت فيه الرادعات ولا حول ولا قوة إلا بالله.