السبب الثاني: هو ذلكم الجاثوم الكابت الذي يعمل على تذويب الهوية الإسلامية للأمة المسلمة وتميزها، المتمثل في الاستعزاز بالإسلام، وبما فرضه الله عليها من الولاء والبراء، والحب في الله والبغض فيه، وجعل المسلمين -بعامة- خاضعين لمصالح مشتركة أياً كان نوعها، حتى ولو كانت خارج الإطار المشروع، ما دامت تصب في مصالح دولية وقوالب مادية للأفراد والجماعات، فيجرها هذا الجاثوم طوعاً أو كرهاً إلى فلكها عبر بنودٍ يصعب التراجع عنها أو الإخلال بها، بناءً على ما تقتضيه مصلحة الفرد أو المجتمع من أعباء الحياة التي يُصبحون من خلالها في غير غنىً عن الغرب ومادته، وفلسفته وسيادته.
وفي كلا السببين عباد الله! تتضاءل إن لم تتلاش صلة المسلم بربه ودينه، وينحصر الأفراد والجماعات داخل بوتقةٍ من ضيق الأفق، فلا يرون فيها إلا مصالحهم الخاصة، ويندفع جهدهم كله وراء المنفعة العادلة بغض النظر عما يحكم ذلك من حلالٍ أو حرام، والله جل وعلا يقول:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة:٢٢] .
ولقد {بايع جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله تعالى عنه- النبي صلى الله عليه وسلم على أن ينصح لكل مسلم، ويبرأ من الكافر} رواه أحمد.
ومن هذا المفهوم -عباد الله- يوقن كل منصفٍ أن أهل الكفر والإلحاد لم ينتصروا بقواهم الخاصة قدر ما انتصروا بفراغ قلوب المسلمين من خلال شهواتهم اليقظة، وإخلادهم إلى الأرض، واتباع الهوى، والسعار إلى الملذات والرغبات، وافتقار صفوفهم إلى ما يجمعها ولا يفرقها، وإلى ما تعتز به من الدين لا ما تستحيي منه أو تخجل بسببه:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[يونس:١٣-١٤] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفارا.