عباد الله: إن كثيراً من المسلمين يدورون فيما يعملون حول أنفسهم؛ فيما يحقق مصالحهم ومنافعهم الخاصة دون اكتراث بما يرضي الله وما يسخطه، وإن المعاصي المنبثقة من الشهوة على قبحها وسوء مغبَّتها إلا أنها أدنى خطورة وعقوبة من معصية الشبهة التي تقود إلى التغيير في الدين أو التشكيك فيه، أو السعي الدءوب في بث ما من شأنه إفساد المسلمين، أو بذر الفرقة بينهم، أو التطلع إلى إرساء قواعد التراجع عن الدين والتي يسعى إليها غَمالِيجُ إِمَّعُون من مرضى القلوب المقلدة، لا يُعرف لهم قدم ثابتة مستقرة ينصرون بها الدين ويدفعون بها ما خالفه، سيرة بعضهم في العمل تابعة لتربيتهم في محاضن الكفر وكنف الإلحاد، أو في بيوتهم وحال عشرائهم من لُداتهم ورفاقهم وجيرانهم، ممن غسلت أدمغتهم في دهاليز الكفر، ممن عناهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله:{تجدون الناس معادن؛ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهة، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه} رواه الشيخان.
فترونهم -عباد الله- يجمعون بين الضلال والإسلام، بين حب ما عليه الغرب الكافر وبين الانتساب إلى الإسلام، بل ومنهم مَن يصلي ويصوم؛ لأنه تربى على ذلك؛ ولكن دفعه إليه كونه منهوم المال أو مفتون الجاه أو رائماً شهوات مشبوهة مُدْغِمٌ بعضها في بعض مغلوب في لزوم انتمائه للدين لكنه إذا تجرع عذابه لم يكد يسيغها إلا متهوعاً.
ولا جرم -عباد الله- فالمرء مع من يخالل ويعاشر! والشيء من معدنه لا يُستَغرَب:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً}[الأعراف:٥٨] .
وتلك العصا مِن تلكمُ العُصَيَّة ولا تلد الحية إلا حية
فمن هؤلاء وأمثالهم ينبغي الحذر والتوقي، وألا نغتر بكونهم من بني جلدة المسلمين ويتكلمون بلغتهم، فلقد جاء في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال:{كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم.
دعاة على أبواب جهنم، مَن أجابهم قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله! صِفْهم لنا، قال: قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا} الحديث، وفي لفظ لـ مسلم أيضاً:{وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس} ولقد صدق الله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ}[القصص:٤١-٤٢] .