[مظاهر الفرح المذموم]
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر، والشافع المشفع في المحشر، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر.
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المسلمين: ثم اعلموا رحمكم الله أن الجانب الآخر من جانب الفرح هو الفرح المذموم وهو الذي يولد الأشر والبطر وهو ما كان ناتجاً عن الغفلة والخواء، وقد ذكر بعض المفسرين في قوله تعالى: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:٤] أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس، والشخص المكثر من الفرح في الإسراف مما هو متاع الدنيا وزخرفها هو المعني بمثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:٧٦] وليس من شأن المسلم أن يكون مفراحاً إلى درجة الإسراف؛ إذ ما من شيء من أمور الدنيا إلا والإسراف يشينه كما أن الاعتدال يزينه، إلا عمل الخير ولذلك قيل: لا خير في الإسراف ولا إسراف في الخير.
ومن هذا المنطلق فإن الإسراف في الفرح سواء كان في الأعراس أو شبهها، مدعاة للخروج عن المقصود بل ولربما أدى إلى وقوع فيما لا يرضي الله من معاصي أو ضجيج وأهازيج، تقلق الذاكر، وتنغص الشاكر، لقد سمعتم عباد الله! الحديث الدال على أن شدة الفرح مدعاة للوقوع في الخطأ كما في قصة صاحب الراحلة حين قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، ناهيكم عباد الله! عن ذم الفرح بالمعصية والمجاهرة بها والافتخار في نشرها أو الشروع بالألقاب والمدائح لفاعلها، ووصفهم بالتحرر أو التنور بما يصيغونها فيه على هيئة مقالات أو روائيات على حين فترة من التذكير بقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي معافى إلا المجاهرين} رواه البخاري.
ومن الطوام العظام في الفرح المذموم فرح المرء بالعمل وإظهاره للناس والتسميع والمراءاة به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به} رواه البخاري، ويشتد الأمر خطورة حينما يفرح المرء بما لم يفعل من باب الرياء والتكبر، ففيهم يقول جل وعلا: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:١٨٨] .
ومثل ذلك في الخطورة فرح المرء بتقصيره في طاعة الله أو تخلفه عن ركب الصلاح والاستقامة، ونكوصه عن دعوة الداعي وأمر الآمر ونهي الناهي {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة:٨١-٨٢] .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا بلاء ولا غرق ولا استدراج، اللهم لتحيي به البلاد وتسقي به العباد ولتجعلها بلاغاً للحاضر والباد، اللهم أمطر ما لم يمطر من بلاد المسلمين، اللهم ألف قلوبنا بالإيمان وبلادنا بالأمطار يا ذا الجلال والإكرام.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.