الحمد لله القوي المتين، الملك الحق المبين، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما اتخذ صاحبة ولا ولداً، ليس له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وخيرته من خلقه، أتى بالمحجة وأقام الحجة، وأشهد أمته على نفسه عام الحجة، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على طريقهم واقتفى.
أما بعد:-
فإن النصيحة المبذولة لي ولكم -عباد الله- هي تقوى الخالق جل شأنه، فهي عدة الصابرين، وذخيرة المجاهدين، وسلوان المصابين، ما خاب من اكتسى بها، ولا ندم من اكتنفها، بها النجاة في الأولى، والفوز في الأخرى، لا يسألكم الله رزقاً هو يرزقكم والعاقبة للتقوى.
أيها الناس: لعل المسلمين في ثنايا هذه العصور المتأخرة هم أكثر الناس آلاماً، وأوسعهم جراحاً، ولعل أرضهم وديارهم وأموالهم هي التي يستنسر بها البغاة، وتستأسد الحمر، والمسلمون مع ذلك يتجرعون هذه الجراحات في صياصيهم وهم لا يكادون يسيغونها.
ويحملون معها أثقالاً إلى أثقالهم.
إنهم يدعون إلى الاستكانة والاستجداء دعاءً، وتتقاذفهم مضارب الغالبين إلى أن يعترفوا بأن حقهم باطل، وباطل غيرهم حق يزج بهم في كل مضيق من أجل أن يقلبوا الحقائق، ويتقبلوا أضدادها على مضض حتى ينطق لسانهم بالرسم المغلوط، والفهم المقلوب، فتكون عبارتهم لعدوهم بلسان حالهم.