[المعصية وأثرها في الهزيمة]
الحمد لله الكبير المتعال، له الحمد على كل حال، وله الشكر بالغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شديد المحال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المفضال، صاحب النوال، وسديد المقال، صلى الله عليه وعلى آله وأصاحبه وإخوانه والآل.
أما بعد:-
فاتقوا الله أيها المسلمون! واعلموا أن ثمة مفهوماً مهماً ينبغي ألا يغفل عنه، لأنه لبٌّ في الموضوع، وعمود ارتكاز في التصحيح، ألا وهو المعصية وما لها من أثر وشؤم وموقع عظيم في تحديد معايير النصر والهزيمة.
وإن من يلقي النظر على غزوة أحد، وإلى السبب الرئيسي للهزيمة؛ يجد أنه يكمن في المعصية، والتي تلقى المسلمون بسببها لطمة موجعة أفقدتهم من رجالهم سبعين بطلاً، على رأسهم سيد الشهداء حمزة رضي الله تعالى عنه فردتهم الهزيمة إلى المدينة، وهم يعانون الأمرّين من جرائها وشماتة كفار قريش.
وإن تعجبوا يا عباد الله! فعجب أمر هذه المعصية في أحد! إنها لم تكن في فشو زناً بينهم، ولا في احتساء خمرة مسكرة، ولم تكن في إقصاء شريعة وتحكيم قوانين خارجة عنها، ولا في فساد امرأة أو انحراف شباب، بل إنهم خرجوا إلى أحد ومعهم إيمانهم بالله، وحبهم لرسوله صلى الله عليه وسلم، ودفاعهم عن الحق، وطلبهم رفعة الدين ونصرته.
وكل ذلك في الواقع يرشحهم بأقوى أنواع الترشيح في أن ينتصروا ولا يهزموا، ولكن يبلو الله المؤمنين في أحد فينزل الرماة عن الجبل، لا لقصد عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لما رأوه من الانتصار للمسلمين، فخاف بعضهم فوات حظه من الغنائم، ثم كانت الكارثة هزيمة موجعة فاجعة مهولة، وأثابهم الله غماً بغم، وكسرت رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم، وشج رأسه، وقتل سبعون شهيداً.
فالله أكبر ما أعظم أثر المعصية على واقع المسلمين! حتى في أحلك الظروف.
تلك هي معصيتهم فما هي معاصينا إذاً؟
إنه لسؤال صعب والجواب عليه أشد من لعق الصبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم} رواه أحمد وغيره.
إن شؤم المعصية يعم مهما قل حجمه، أو ضعف الاكتراث به، إنه يمحق البركة، ويفسد العمل، ولو كان جهاداً في سبيل الله.
دخلت العالية امرأة أبي إسحاق السبيعي على عائشة رضي الله عنها، ودخلت معها أم ولد زيد بن أرقم، فقالت: [[يا أم المؤمنين! إني بعت غلاماً من زيد بثمانمائة درهم نسيئة، وإني ابتعته منه بستمائة نقداً فقالت لها عائشة رضي الله تعالى عنها: بئس ما اشتريت، وبئس ما شريت، إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل، إلا أن يتوب]] رواه الدارقطني بسند جيد.
فرحماك يا رب رحماك! ولا حول ولا قوة لنا إلا بك!
هذا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال عز من قائل عليماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان.
اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم اجعل شأنهم في سفال، وأمرهم في وبال، واجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.