الحمد لله فاطر السموات والأرض غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى جميع الثقلين -الجن والإنس- بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أقام الله به الحجة، وأوضح به الطريق، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وخلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعلى سائر أصحابه الأخيار النجباء الأطهار.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله سبحانه، والاعتصام به في السراء والضراء، وألا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون، واعلموا أن ما بكم من نعمة فمن الله، أفغير الله تتقون؟!
عباد الله: في دنيا الناس أمثلة وضروب، ومحادثات لاقت رجع الصدى بين الحين والآخر في غير ما مجلس، يتحدث من خلالها المتحدثون، عما يُشاهدونه مرات وكرات؛ من تفويت للحظوظ، وتفريطٍ في المصالح الظاهرة، لا سيما تلك المصالح التي تكون في معايش الناس، وهي لا تساوي إلا ثمناً بخساً زهيدا، يتحصل من خلاله على مردود ليس بالقليل، من الحظ الوافر والرزق الواسع.
ألا وإن من المقرر شرعاً وعرفاً بين الناس، أن من ظهر له ربحاً ما في مرابحةٍ لا يحتاج بأن يعتاظ عنها إلا شيئاً يسيراً، ثم هو يُفرِّط في تحصيلها؛ فإنه قلَّ أن يسلم ولا شك من بروز من يصفه بالسفه والحمق، ولربما تعدَّى الأمر إلى دعوى أن مثله أهلٌ لأن يُحجر عليه؛ بسبب تفويته مصلحةً محققة بأقل كُلفة دون مسوغٍ.