برزت لنا حقوق الإنسان على ما أراده الشرع الحكيم، ممثل في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:{إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا} .
وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه باباً، فقال:" ظهر المؤمن حمىً إلا من حد أو حق " وتفسير هذه القاعدة يتمثل في أن حقوقه محمية، إلا إذا ارتكب ما يُوجب العقوبة عليها، كما أنها تعني كذلك وجوب تطبيق الحدود، والغيرة على حرمات الله، لقول عائشة رضي الله عنها:{والله ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط، حتى تُنْتَهك حرمات الله، فينتقم لله} رواه البخاري.
ومن معاني القاعدة أيضاً: المساواة أمام العقوبات بين الشريف والوضيع؛ لأن الغاية هي المحافظة على حقوق الجميع، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم:{إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} رواه البخاري.
كما أن من معاني تلك القاعدة العظمى: المحافظة على حقوق أهل الذمة، وهم الكفار، الذين يدخلون في ذمة المسلمين، فإن دخلوا تحت أحكامهم حفظوا لهم حقوقهم ما داموا في ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا عليهم الحدود فيما يعتقدون تحريمه، كالزنا ونحوه.
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:{مُرَّ على يهودي مُحَمَّماً مجلوداً، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: أنشدك بالله، الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك ناشدتني بهذا لم أخبرك، نَجِدهُ الرجم، لكنه كثر في أشرافنا، فقلنا: إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلناه التحميم والجلد مكان الرجم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذْ أماتوه فأمر به فرُجم، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ}[المائدة:٤١] } الحديث رواه مسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
قد قلتُ ما قلتُ، إن صواباً فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.