فإياك إياك -أيها المسلم- أن تغتر بعزمك على ترك الهوى في رمضان بمقاربة الفتنة بعده، فإن الهوى مكايد، وكم من صنديد شجاع في غبار الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه، واذكروا رحمكم الله حمزة مع وحشي رضي الله عنهما.
إن من وقع في التقصير بعد التمام، أو تمكَّن من الذنوب بعد الإقلاع عنها لَهُوَ أبعد ما يكون عن الفوز بالطاعة، ولو غش نفسه بعبادات موسمية ذات خداج، إلا أنها لا تبرح مكانها، بل لربما وجد معها خفي العقوبة الرئيس، وهو سلب لذة المناجاة، وحلاوة التعبد؛ إلا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات مِنْ عُبَّاد رب الشهور كلها، بواطنهم كظواهرهم، شَوَّالهم كرمضانهم، الناس في غفلاتهم وهم في قطع فلاتهم، وحينئذٍ:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
ولأجل هذا لم يكن العجب في أن يَغْلِب الطبع، وإنما العجب في أن يُغْلَب الطبع، وأمثال هؤلاء هم ولا شك ممن يسيرون على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في المداومة على الطاعة.
نعم.
لرمضان ميزة وخصوصية بالعبادة ليست في غيره من الشهور، بيد أنه ليس هو محل الطاعة فحسب، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم جواداً في كل حياته غير أن جوده يزداد إذا حلَّ رمضان، ناهيكم عن أن الرجوع والنكوص عن العمل الصالح هو مما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فيما صح عنه:{وأعوذ بك من الحور بعد الكور} والله جلَّ وعلا يقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً}[النحل:٩٢] ويؤكد ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم في دعائه المشهور: {واجعل الحياة زيادة لي في كل خير} إذ لم يُقْصِر الخير على شهر رمضان فحسب، بل إن هذا كله إنما هو استجابة لأمر ربه -جل وعلا- بقوله:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩] فلا منتهى للعبادة والتقرب إلى الله إلا بالموت.