للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوبة سبب للنجاة من النار]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

فيا أيها الناس: في يوم من الأيام {صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم درجات المنبر، فلما رقى عتبة الأولى قال: آمين، ثم رقى عتبة الثانية وقال: آمين، ثم رقى عتبة الثالثة وقال: آمين، ثم قال: أتاني جبريل، فقال: يا محمد! مَن أدركَه رمضان فلم يُغفر له؛ فأبعدَه الله، قل: آمين فقلت: آمين} الحديث، رواه ابن حبان وغيره.

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، فلقد خِسر وفرَّط ورغم أنفه مَن ضيَّع فرصة رمضان ونكص على عقبَيه.

ألا أين أنتم أيها التائبون؟! عقلكم يحثكم على التوبة وهواكم يمنعكم، والحرب بينهما سِجال، فلو جهزتم جيش عزم لفر العدو منكم تنوُون قيام الليل فتتكاسلون، وتسمعون القرآن فلا تبكون، بل أنتم سامدون، ثم تقولون: ما السبب؟!

{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥] .

ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين! وتوبوا إلى ربكم توبة نصوحاًَ، توبوا إلى الله أفراداً وجماعات، فما توبة الأمة بأدنى شأناً من توبة الأفراد، إذ يقول الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١] .

ألا ترون -يا رعاكم الله- ما قاله الباري جل شأنه في كتابه: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:٩٨] .

فيا أيها المسلمون: ما هي إلا التوبة والاستغفار، وإلا فالمصير النار والخسار، وما لهذا الجلد الرقيق صبر عليها! فارحموا أنفسكم؛ فقد جربتموها في مصائب الدنيا، أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والرمضاء تحرقه؟! فكيف إذا كان بين طابقين من نار! ضجيع حجر، وقرين شيطان، في نار يحطِم بعضُها بعضاً، لا تسمع فيها إلا تغيظاً وزفيراً، كلما نضجت فيها الجلود بدلها الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج:١٥-١٨] .

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزَّ وجلَّ: {يا بن آدم! إنك ما دعوتَني ورجَوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي يا بن آدم! لو بلَغَتْ ذنوبُك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أبالي يا بن آدم! لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} رواه الترمذي في جامعه.

{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:٥٥-٥٦] .

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان يا حي يا قيوم، اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم سقيا رحمة، لا سقيا هدم، ولا بلاء، ولا غرق.

اللهم لتحيي بها البلاد، وتسقي بها العباد، ولتجعلها بلاغاً للحاضر والبادِ.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.