والأمراض والأسقام -عباد الله- أدواءٌ منتشرة انتشار النار في يابس الحطب، ومن هنا تكون الغبطة للأصحاء، غير أن هذه الأسقام وإن كانت ذات مرارةٍ وثقل واشتداد وعرق إلا أن الله جل شأنه جعل لها حكماً وفوائد كثيرة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
ولقد حدث ابن القيم عن نفسه: أنه أحصى ما للأمراض من فوائد وحكم فزادت على مائة فائدة، وقد قال رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا مالنا بها؟ قال: كفارات، قال أبي بن كعب: وإن قلت؟ قال: وإن شوكةً فما فوقها} رواه أحمد، وعند البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ما من مسلمٍ يصيبه أذىً من مرضٍ فما سواه، إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها} .
غير أنه لا يظن مما سبق -عباد الله- أن المرض مطلبٌ منشود، أو بلاءٌ يتطلع إليه العبد المسلم، كلا.
بل هو محنةٌ يكون الصبر مطلباً عند وقوعها، والمرء المؤمن لا يتمنى البلاء، إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية} رواه النسائي وابن ماجة، وقال مطرف رحمه الله:[[لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر]] .
وعلى كلا الأمرين -عباد الله- فإن الصحة بلا إيمان هواء بلا ماء، والمرض بلا صبر ورضا بلاءٌ يتلوه بلاء، وجماع الأمرين دينٌ وإيمان بالله، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:[[إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسماً وأمرضهم قلباً، وتلقون المؤمن من أصح الناس قلباً وأمرضهم جسماً، وايم الله لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان]] {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:٣٥] .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.