الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أكرم من شاء بامتثال أوامره والبعد عما عنه نهى، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له العزة والكبرياء، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، صفوة العالم طرى، وسيد الأنام برى، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الكرام البررة.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أيها الناس! المجتمع المسلم المتميز هو ذلكم المجتمع الذي تتحقق له ضروراته وحاجياته وتحسيناته تحت ظل الشريعة الغراء التي لا تنغصها أزمة، ولا يعكرها ضيق، ذلكم المجتمع الذي يجد حرمته مصونةً مكرمة، لا تهدر تحت ناب سبعٍ عادٍ، ولا تستباح بمخالب باغٍ متوحش، أو سطوة معتدٍ صائل، هكذا يعيش المجتمع المسلم إذا كان في صورته المثلى واستقراره المعهود، غير أنه عند أدنى اختلال لما مضى، وإحلال الضد محله، من الاستخفاء وراء أسوارٍ من الصلف والغطرسة، والمقت لوحي الله وحملته، وجعل سبيل الله موحشةً لطول ما ترادف على سالكيها من أدواء وأعباء، لهو الباب الحقيقي للمثول أمام حاضرٍ كريه، ومستقبلٍ مغلق، وحينئذٍ تزل القدم بعد ثبوتها، ويسبق الخصم إلى إذلالها وكبح حريتها.