بعد هذا التخبط المقيت، بعث الله الرسول الأمي:{نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[المائدة:١٥-١٦] فانبهر الناس ودهشوا لهذا النور الوهاج، وتكاتف هذا النور واتسع نطاقه في الأرض؛ فهزمت أمامه كل من الظلمات الثلاث: ظلمة القوانين، وظلمة العقائد، وظلمة الأنفس، ولم تستطع ظلمةٌ من هذه الظلم الثلاث أن تساقطه أو تواقصه، حتى صار لهذا الدين أنصار وقادة يحملونه في إحدى اليدين، وفي الأخرى يحملون الحديد ذا البأس الشديد، يذودون عنه الإيذاء والاعتداء، ويخلّون له الطريق إلى القلوب والعقول.
فما أجمل الحق يعرضه القوي في لين! وما أجمل القوة تنصر الحق في شجاعة!
حمل هذا الدين رجالٌ وقادة، علمهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ألا يخاف العبد إلا ربه، وألا يذل إلا لمن ذل له كل شيءٍ وخلق كل شيء، ومن بيده أسباب الخوف وأسباب الأمن، وحده قال الله:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٧٥] وعلمهم نبيهم ألا يتأخر عن الموت إلا من طلب الحياة وأحبها، فإن من رغب في الموت ذلت له ناصية الحياة، ومن رغب في الحياة ذلت ناصيته للموت، قال أبو بكر رضي الله عنه:[[احرص على الموت؛ توهب لك الحياة]] .
كانوا يقدمون على الموت إقدام من ليس حياته ملكاً له، فأخذوا بنواصي الأكاسرة، وهامات القياصرة، وذروا التراب على جباه الطغاة الذين طالما جرعوا الإنسان الذل والهوان، وأذاقوه غصص الخسف والاستفزاز.
عباد الله: قال الله عز وجل: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}[آل عمران:١٤٠] وقال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة:٢٥١] المدافعة بين الإسلام والكفر ضرورية لحياة الشعوب وبقائها، وكل شعبٍ فقد هذا الدواء على مر التاريخ؛ فقد الحياة ولا محالة؛ فأكلته شعوب الكفر، وطحنه تنازع البقاء، وذهب أقساماً بين أشتات المطامع والأهواء.