[أحوال الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم]
الحمد لله، شرع الجهاد لحماية حوزة الإسلام، وجعله رفعة للمسلمين، هو للإسلام ذروة سنامه، أحمده سبحانه جعل النصر لحزبه، فأعظم بتأييد الملك العلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام، وعلى من تبعهم وسار على نهجهم ما ظهرت النجوم وتوالت الأيام وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون: واعلموا أن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يدٌ الله مع الجماعة، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الناس: قبل نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعشرات السنين، كان الناس في هذه البسيطة على فترة من الرسل، منقطعين عن المدد الروحي من السماء الذي كانت تعاني فيه الأرض وأهلها على اجتياز ظلمات المادة، وفسق المادة، وجفاف المادة، تخبط الناس في مهام الحياة ودروبها خبط عشواء في ظلمات ثلاث:
ظلمة العقائد، وظلمة القوانين البشرية، وظلمة الأنفس.
ظلمة عقائدٍ لا يجد فيها الحاذق بصيص نورٍ يهتدي به إلى هداية، أو يخلص به من ضلالة، واستبد الأحبار والرهبان بقلوب الناس وعواطفهم.
وظلمة قوانين لا يجد فيها العاقل ما يعين على عدالة، أو ما يخرج من مظلمة، فاستعبد العظماء أموال الناس وظهورهم: فالظلم عندهم كما قيل:
والظلم من شيم النفوس وإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم
وظلمة أنفس لا يجد فيها المتأمل مكاناً لرحله، أو نوراً يضيء ظلمةً، إلا من رحم الله.
فما زالت الإنسانية تتخبط في هذه الظلمات الثلاث، وتنحدر إلى هاوية سحيقة، حتى تنصبت عن أمم كان من قسوتها وفظاعتها أن تقتل بنيها شر قتله؛ مخافة أن يشاركوهم في مأكلهم أو ملبسهم، قال ابن عباس رضي الله عنه: [[إذا سرك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ قول الله عز وجل: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١٤٠]] ] .
وكان من عقلها ودينها أن تصنع معبودها بأيديها، ومن مجدها الذي تتغنى به الحذق في انتزاع الأرواح، والمهارة في إيتام الأطفال، وإرمال النساء، وإثكال الأمهات والآباء، حتى لقد صدق قول الله فيهم: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩] .