وما عدا ذلك من الرؤى التي تتعلق بإثبات شيءٍ من أحكام الشريعة في حلالٍ أو حرام، أو فعل عبادة أو تحديد ليلة القدر مثلاً، وهي التي أريها النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنسيها، أو تلك الرؤى التي ينبني عليها آثار متعدية تتعلق بحقوق الناس وحرماتهم وإساءة الظنون بهم من خلال بعض الرؤى مثلاً، أو الحكم على عدالتهم ونواياهم من خلالها؛ فإن ذلك كله من أضغاث الأحلام، ومن الظنون التي لا يجوز الاعتماد عليها في قول جمهور أهل العلم، كـ الشاطبي والنووي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم.
وقد ذكر الشاطبي -رحمه الله- في كتابه الاعتصام: أن الخليفة المهدي أراد قتل شريك بن عبد الله القاضي، فقال له شريك: ولِمَ ذلك يا أمير المؤمنين ودمي حرامٌ عليك؟ قال: لأني رأيت في المنام كأني مقبلٌ عليك أكلمك وأنت تكلمني من قفاك، فأرسلت إلى المعبر فسألته عنها فقال: هذا رجلٌ يطأ بساطك وهو يسير خلافك.
فقال شريك: يا أمير المؤمنين! إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تسفك بالأحلام.
فنكس المهدي رأسه، وأشار إليه بيده أن اخرج فانصرف.
وقد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: أن بعضهم رأى في المنام الشافعي رحمه الله فقال له: كذب عليَّ يونس بن الأعلى في حديثٍ ما هذا من حديثي ولا تحدثت به فقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- معلقاً على هذا الكلام: يونس بن الأعلى من الثقات لا يطعن فيه بمجرد منامٍ.
وقد نقل الذهبي -رحمه الله- عن المروزي قال: أدخلتُ إبراهيم الحصري على أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وكان رجلاً صالحاً فقال: إن أمي رأت لك مناماً هو كذا وكذا وذكرت الجنة، فقال: يا أخي! إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا وخرج إلى سفك الدماء، وقال: الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره.
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين واستغفروا ربكم إنه كان غفاراً.