[الوسائل الموصلة إلى الراحة الأمنية]
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون! ثم اعلموا أن من أهم الوسائل الموصلة إلى الراحة الأمنية من كافة جوانبها دون كلفة أو تجنيد وإعداد، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لله ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإن ذلك عماد الدين، الذي فُضِّلت به أمة الإسلام على سائر الأمم، والذي يُسدُّ من خلاله خوخات كثيرة من مداخل الشر على العباد.
بالنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتكاتف الجهود، ويلم الشعث، ويرأب الصدع، وتتقى أسباب الهلاك، وتدفع البلايا عن البشر، وبفقد ذلك أو تزعزعه من نفوس الناس -يعني: بداية حلول الفوضى وانتشار اللامبالاة المولدة للأمن العكسي، وهو الأمن من مكر الله: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩] .
وبالأمر والنهي يصلح المجتمع، ويقوم الفرض الكفائي الذي يسقط التبعة والإثم عن بقية المجتمع، وإلا تحقق فينا قول الباري جلَّ شأنه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٧] .
ولم يقل: وأهلها صالحون، فإن مجرد الصلاح ليس كفيلاً في النجاة من العقوبة الإلهية الرادعة، إن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بين المسلمين، إنما هم -في الحقيقة- يقومون بمهام الرسل في أقوامهم وذويهم، فبقدر الاستجابة لنصحهم تكون الحجة والنجاة، والعكس بالعكس: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:٥٩] .
وإن انعدام النصح بين المسلمين سمة من سمات اليهود، ومعرة من معراتهم الخالدة، فقد كانت مواقفهم في الصيد يوم السبت عن طريق الحيلة مشهورة، حتى أعلن الفسقة منهم بصيده، فنهضت فرقة منهم ونهت عن ذلك وجاهرت بالنهي واعتزلت، وفرقة أخرى لم تعص ولم تنه، بل قالوا للناهين: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} [الأعراف:١٦] فلمّا لم يستجب العاصون أخذهم الله بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، فنص الله على نجاة الناهين بقوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف:١٦] وسكت عن الساكتين.
روى ابن جرير بسنده عن عكرمة، قال: [[دخلت على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمصحف في حجره وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا بن عباس! جعلني الله فداك؟ فقال: هؤلاء الورقات، وإذا هو في سورة الأعراف، فقال: ويلك! تعرف القرية التي كانت حاضرة البحر، فقلت: تلك (أيلة) ، فقال ابن عباس: لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت، نخاف أن نكون مثلهم، نرى فلا ننكر، فقلت: أما تسمع الله يقول: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ} [الأعراف:١٦] فسري عنه، وكساني حلة]] .
إذاً: ينبغي لأفراد الناس عموماً وأهل العلم بخاصة أن يقوموا بواجب النصح لمجتمعاتهم وأسرهم ومنتدياتهم على الوجوه التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، حكمة وموعظة حسنة، ومجادلة بالتي هي أحسن: [[وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن]] .
ثم إنه لا يمنع من التمادي في الوعظ والنصح والإصرار عليه عدم قبول الحق منه؛ لأنه فرض فرضه الله علينا جميعاً قُبِلَ أو لم يُقْبَل، فإنَّ هذا هو الذي يحفظ للأمة كيانها بأمر الله، وبه تكون المعذرة إلى الله، ويكون الخروج من التبعية وسوء المغبة، والله الهادي إلى سواء السبيل.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مُطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم فرَّج هم المهمومين من المسلمين، ونفَّس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم!
اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام!
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.