ألا ما أحوج الأمة المسلمة في كل عصر وفي كل مصر إلى الإمام العادل، وهو صاحب الولاية العظمى، وكذا كل من ولي شيئاً من أمور المسلمين فعدل فيه، الرعية عبيد يستعبدهم العدل، العدل مألوف وهو صلاح العالم، الإمام العادل هو الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، فهو أبو الرعية والرعية أبناؤه، يعلِّم جاهلهم، ويواسي فقيرهم، ويعالج مريضهم، يرى القوي ضعيفاً حتى يأخذ الحق منه، والضعيف غطريفاً حتى يأخذ الحق له، وإن تحقيق العدل أمام الرغبات والمصالح والأهواء أمر في غاية الصعوبة، إذ حلاوته مرة وسهولته صعبة، وحينما يستطيع تخطي تلك العقبات فإن معنى ذلك أن فيه من الإيمان والتقوى ما يجعله مستحقاً لأن يكون واحداً من هؤلاء السبعة.
ولقد ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة فأرسل إلى الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فكان مما كتب له الحسن: اعلم يا أمير المؤمنين! أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصر كل جائر، وهو كراع الإبل على شعيره الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويكنها من أذى الحر والقر، هو كالأم الشفيقة البرة بولدها، حملته كرهاً ووضعته كرهاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، والإمام العادل يا أمير المؤمنين! وصي اليتامى، وخازن المساكين، وهو كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده.