[المرأة في الجاهلية القديمة]
لا جرم -أيها الإخوة- فإن الناظر في واقع المرأة قبل الإسلام لن يجد ما يسره، إذ يرى نفسه أمام تخبط عالمي هنا وهناك تجاه المرأة وقضيتها، ويعجب كل العجب من اختلاف الفئات والقبائل في نظرتها للمرأة، حيث تترواح شهوداً فتتولى المرأة زمام الملك، كـ الزباء وبلقيس التي قال الله عنها على لسان هدهد سليمان: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:٢٣] .
بل ولربما ادعت المرأة النبوة، كـ سجاح رضي الله عنها قبل الإسلام، فيضحك عليها بعض قومها، ثم يهجوها فيقول:
أضحت نبيتنا أنثى نلاعبها وأضحى أنبياء الناس ذكرانا
وقد مارست المرأة الفرعونية قبل الإسلام الحكم والكهنوت، ومن أشهر من عُرِفَت في ذلك: كارت، وكيلوا باترا، ونفرتيتي.
هذا إذا كان وضع المرأة في الصعود، أو أن تتراوح هبوطاً فيكون الوأد مصيرها خشية الفاقة والعار، وإن سلمت من ذلك فإنها ستعيش زرية مهانة في الأسرة والمجتمع، طفلة وشابة يستعبدها الرجال في ذلة وامتهان، إن سئلت فلا تُجاب، وإن احتيج إليها فإنما هو للسقي والاحتطاب ولقط النوى، وإن تسامت المرأة في الجاهلية شيئاً ما فإنما هو لإبراز غلة الشهوة في ازدراء ونظرات شذرى.
ويوم خروج هذه المرأة إلى الدنيا يومٌ تسود فيه وجوه الجاهلية، وبُشرى البشير بها سخطٌ وإغضابٌ، وأن بشراها هي أن تدفن حية في التراب: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:٥٨-٥٩] .
{وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:٨-٩] .
أيها الإخوة والأخوات: تلك عقول فارقها في الحقيقة رشدها؛ لطول عهدها بنور السماء، وهدي الأنبياء، وهؤلاء رجال صنعتهم الوثنية، وربتهم الكهانة، فأصبحت فصاحة ألسنتهم وكرم أيديهم ومنطقهم في الشعر الذي صُوِّر إلى أن قيل:
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم ِ
وصارت شجاعة أبدانهم كل ذلك أصح بروقاً تومض ولا تضيء، وترعد فلا تمطر.
ولعل الطابع البارز في حكم العالم القديم على المرأة هو أنها موضع اللذة فحسب، لا وزن لها إلا بمقدار ما تطلبه نزوة الرجل ورغبتُه، وليست معركة ذي قار عن التاريخ ببعيد، وهي من أضخم المعارك في الجاهلية، وأكثرها بلاءً، وإنما نشبت بسبب امرأة جميلة أرادها كسرى، وأباها النعمان بن المنذر عليه، ولقد صدق من قال:
سقراط أعطى الكأس وهي منية شفتي محب يشتهي التقبيلا
الجاهلية في الحقيقة نالت من المرأة أقصى منال فحرمتها حق الحياة، حتى بيعت وسبيت ووئدت.
كانت المرأة في ظل أكيد
سلعة كانت في أسواق العبيد
وأدوها
كبلوها بحديد
كانت الدنيا ظلاماً مطبقاً
وثياب الظلم لفحاً محرقاً
فأتى الهادي عليهم مشفقاً
يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنه: [[إذا سرك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ قول الله جل وعلا: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} [الأنعام:١٤٠]] ]
إذاً: من خلال هذه الملامح -أيها الإخوة والأخوات- ندرك جميعاً ولا ريب كيف جمحت الجاهلية بالمجتمع العربي، فشذَّ عن سواء السبيل، وانطلق يخبط في مهامه الحياة ودروبها خبط العُشَراء.