[عقبات في طريق الزواج]
أيها المسلمون! لقد توصل الكثير من الباحثين في مشكلة الزواج إلى أسباب كثيرة كانت سداً منيعاً في طريق من يريد الزواج، وهم وإن اختلفوا في عدِّ تلك الأسباب ما بين مقل منها ومكثر؛ إلا أن أهمها لا يخرج عن أسباب ثلاثة:
أولها: تلكم العادات الشنيعة التي تخرب بيت الأب وبيت الخاطب معاً، وليس فيها نفعٌ لأحد، وإنما هو التفاخر والتكاثر، والتسابق إلى التبذير والترف، ولو سئل كثير من العزاب اليوم ما منعكم من الزواج؟
لكان جواب الكثيرين منهم في صوت واحد: غلاء المهور، غلاء المهور، الذي أدى بالناس إلى الازدواجية بالحياة، وفئام من الناس كأنهم يعيشون في عصر مضى، وفئام من الناس كأنهم يعيشون في عصر لم يأت بعد، فكيف إذاً يلتقي الزوجان وبينهما عصرٌ مديدٌ، هو يعيش كفافاً، وأهل الزوجة يعيشون إسرافاً، هو يريد الزواج، وأهلها يريدون الفخر والمباهاة؟
{جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على كم تزوجتها؟ قال: على أربع أواق يعني: مائة وستين درهماً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق؟! كأنما تنحتون من عرض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك} الحديث رواه مسلم، وعندما يصل المجتمع المسلم إلى حد الرشد، فإنه لا يستطيع بطبيعة الحال أن ينظر بعين الرضا إلى التنافس الصبياني في غلاء المهور، وعشق الأثاث، ومن أبى إلا ركوب رأسه في هذا المنحدر، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وسبب ثانٍ من أسباب تلك المشكلة: يتمثل في قلة الدين، وتغيب العفاف الذي أدى ببعض المجتمعات في كثير من البقاع -إلا من رحم الله- إلى إقرار الاختلاط بين الجنسين، والذي أصبح وسيلة ناجحة لإطلاق عنان الغرائز، ليعيش الشباب نكوصاً على أعراض الناس، يكتفون باختلاس النظرة، واستراق اللحظة، وسلوك مسالك الغش والتضليل التي غفل عن خطرها كثيرٌ ممن حرم هداية الله.
والسبب الثالث: من أسباب تلك المشكلة هو ما يردده بعض أرباب الأفكار اللقيطة الذين ينفثون سمومهم عبر قنوات متعددة، يقررون من خلالها أن التبكير في الزواج عملٌ غير صالح، وضرب من التغرير بالمراهقين، وأنه لا ينبغي أن يغامر بعملية الزواج قبل التزود الكافي من التجارب، وفي ذلك قال قائلهم: لا قبل لي بهذا المعني الذي يسمونه الزواج، فما هو إلا بيت ثقله على شيئين: على الأرض، وعلى نفسي، وأطفال يلزمونني عمل الأيدي الكثيرة من حيث لا أمد إلا يدين اثنتين، وأتحمل منهم رهقاً شديداً، ومن ثم سيصبحون عالةً على المجتمع، ومن الذي تعرض عليه الحياة سلامها وأشواقها في مثل رسالة غرام، ثم يدع ذلك كله، ويتزوجها، فكأنه بذلك يسألها غضبها وخصامها في نحو قضية من قضايا المحاكم كل ورقة فيها تلد ورقة.
وطبعياً أن يكون لمثل هذا الصدى مريدون ومريدات، يضعون مثل هذه الترهات في مقام القداسة والتعظيم، حتى يقف بهم الأمر لأن يكون الواحد منهم خواراً جباناً، لا يستطيع أن يحمل أثقالاً مع أثقاله، ويستوطن العجز والخمول، فلا يكون إلا قاعد الهمة رخو العزيمة، وكل شاب تلك حاله، فهو حادثة ترتبط بالحوادث وتستلزمها، ولا يأتي السوء إلا بمثله، أو بأسوأ منه، فيشهد العزب بنفسه أنه يبتلى بالعافية، مستعبد بالحرية، مجنون بالعقل، مغلوب بالقوة، شقي بالسعادة، وما علم أولئك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألجمهم بقوله: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة، فليتزوج؛ فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء} قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:٣٢] .
قال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: [[أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح؛ ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى]] .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.