للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نظرة الإسلام إلى العجلة]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

أما بعد:

فاتقوا الله معاشر المسلمين، ثم اعلموا! أن من الناس من لا يحسن التؤدة ولا الأناة، كما أنه بعيد الإتقان لمواطن العجلة المحمودة، فلا هو من أهل الأناة فيحمد، ولا أحسن مواضع العجلة فيشكر، حيث يبلغ في البطء غايته، ويصل في العجلة مزلتها، فيصير مثل فند مضرب للمثل، حيث كان مولى لإحدى نساء التابعين، فأرسلته مرة يحتطب، فرأى قافلة تسير إلى مصر فارتحل معهم ثم عاد بعد سنة، وتذكر الاحتطاب فعجل حتى تعثر على الأرض، ثم قال: بئست العجلة، فصار مثلاً مضروباً حتى قيل فيه:

ذاك فند أرسلوه قابساً فثوى حولاً وسب العجلة

وأمثال هذا كثير ممن يسيرون في أعمالهم على عادة قبيحة، يقول أصحابها: لا تؤخر إلى الغد ما تستطيع أن تفعله بعد غد.

والدين الإسلامي عباد الله دين وسط لا يرضى بالإفراط ولا التفريط، ولا المغالاة ولا المجافاة، والنظرة الشرعية للعجلة هي نظرة عادلة كرهها الإسلام في مواضع وندب إليها في مواضع أخرى، فكما أن التأني مندوب إليه في ظروف تليق به، فإن ظروفاً أخرى هي تليق بالعجلة، والعجلة لا تليق إلا بها، ولربما فات قوم جل طلبهم من التأني وكان الأمر لو عجلوا، وليس معنى تنفير الإسلام من العجلة أنه يريد أن يعلم أتباعه البطء في الحركة أو الضعف في الإنتاج أو التماوت في العمل والكسل في أداء الواجبات، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر} رواه الترمذي.

ويقول صلوات الله وسلامه عليه: {ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده} رواه البخاري ومسلم.

ومن هذا المنطلق عباد الله كان ثم أمور ومواقف تتطلب من التصرف الحازم، والعمل السريع، ما لا يناسبه التأجيل والتسويف مثل العجلة في اغتنام الأوقات وترك التسويف فيها، وكذا التعجيل في الفطور للصائم، وتعجل المسافر إلى أهله لقضاء نهمته، وكذا صد الشر الظاهر، وإغاثة الملهوف، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وعدم تأخير البيان عن وقت حاجته فيما للمسلمين فيه حاجة، كبيان حق، وإبطال باطل، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وكذا الواجبات الموقوتة في وقت محدود، يقول صلى الله عليه وسلم: {التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة} رواه أبو داود.

ويتأكد أمر العجلة بشدة في وجوب الأخذ بالحق إذا ظهر وعدم التواني في قبوله، وترك التسويف المودي إلى تركه ومجانبته، والبعد كل البعد عن التعليلات أو التبريرات التي يدَّعى أنها مسوغ لتركه أو تأجيله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:٣٦] والمعاذير التي يقدمها المرء في تأجيل الحق أو رده مهما بلغت ما هي إلا أوهام وخيوط أوهى من نسج العنكبوت، فإذا كنت أيها المرء ممن:

إذا كنت يؤذيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا

ويلهيك حسن جمال الربيع فأخذك للعلم قل لي متى

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!

اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم لتحيي به البلاد وتسقي به العباد، ولتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.