للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعادة هي الغاية المنشودة]

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، لا إله إلا هو يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.

أما بعد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ، اتقوه واعبدوه {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:٧] ، {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٤٢] ، افعلوا الخير، واسجدوا لربكم، واركعوا مع الراكعين.

أيها المسلمون: لا يُعرف مفقود تواطأ الناس على البحث عنه، والإعياء في طِلابه، وهم مع ذلك يسيرون في غير مساره، ويلتمسونه في غير مظانه، مثل السعادة والطمأنينة والبال الرخي.

فَلِلَّهِ ما أقل عارفيها! وما أقل في أولئك العارفين من يقدرها ويغالي بها، ويعيش لها! بل لو غُلْغِل النظر في بعض عارفيها، لَمَا وُجد إلا حق قليل يكتنفه باطل كثير، حق يُعرف في خفوت، كأنه نجمة توشك أن تنطفئ في أعماء الليل، وما أكثر العواصف التي تَهُبُ علينا، وتملأ آفاقنا بالغيوم المرعدة! وكم يواجَه المرء منا بما يكره، ويُحرم ما يشتهي.

وهنا يجيء دور السعادة التي تطارد الجزع، والرضا الذي ينفس السخط.

السعادة التي تسير مع الإنسان حيث استقلت ركائبه، وتنزل حيث ينزل، وتُدفن في قبره.

السعادة التي يعبر عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أوْج إحساسه بها: ما يفعل أعدائي بي؟! إنَّ سجني خلوة، وإن قتلي شهادة، وإن إخراجي من بلدي سياحة في سبيل الله.

إن الحديث عن السعادة والشقاء سيظل باقياً ما دام في الدنيا حياة وأحياء، وإن كل إنسان على هذه البسيطة ليبحث عنها جاهداً، ويود الوصول إليها، والحصول عليها، ولو كلفه ذلك كل ما يملك.