للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالجريد في إقرار بمال وأخذه منه، فقال ابنُ عقيل: ليس ذلك فراسةً بل حُكْمٌ بالأَمَاراتِ، وإذا تأمَّلْتُمُ الشرعَ وجدتموه يجوِّزُ التعويلَ على ذلك، وقد ذهب مالك بن أنس إلى التَّوَصُّل إلى الإقرار بما يراهُ الحاكم، وذلك يستندُ إلى قوله: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: ٢٦] ومتى حكمنا بعقد الأَزَج (١)، وكثرة الخُشُب، ومعاقد القَمُط في الخُصِّ (٢)، وما يصلحُ للمرأة والرجل يعني في الدَّعاوى، والدَّبَّاغ والعَطَّار إذا تخاصما (٣) في جِلْدٍ، والقيافة، والنظر في الخُنْثى، والنَّظر في أمَارات القِبلة، وهل اللَّوْثُ في القسامة إلَّا نحو هذا؟!. انتهى.

قلت: الحاكم إذا لم يكنْ فقيهَ النفسِ في الأَمارات ودلائل الحال، كفقهه في كُلِّيَّات الأحكام؛ ضيَّعَ الحقوقَ، فهاهنا فقهان لابُدَّ للحاكم منهما: فقهٌ في أحكام الحوادث الكلِّيَّة، وفقه في الواقع (٤) وأحوال الناس، يميِّزُ به بين الصادق والكاذب والمُحِقِّ والمُبْطِل، ثم يُطَبِّقُ بين هذا وهذا بين الواقع والواجب، فيعطي الواقع حُكْمَهُ من الواجب.

ومن له ذَوْق في الشريعة، واطلاع على كمالها وعدْلِها، وسَعَتِها ومصلحتها، وأن الخَلْقَ لا صلاحَ لهم بدونِها ألبتَّةَ، عَلِمَ أن السياسة العادلة جزءٌ من أجزائها وفرعٌ من فروعها، وأن من أحاط علمًا بمقاصدها، ووضَعَها مَوَاضِعَها؛ لم يحتجْ معها إلى سياسةٍ غيرِها


(١) بيت يُبنى طولًا. انظر "اللسان": (٢/ ٢٠٨).
(٢) القمط: ما تُشد به الأخصاص، والخُصُّ: البيت الذي يُعمل من القَصَب. وقُمُطه: شُرُطه التي يوثَّق بها ويُشد بها. انظر: "اللسان": (٧/ ٣٨٥).
(٣) (ظ): "تحاكما".
(٤) (ق): "الوقائع".