للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما أتت مرادًا بها الحُجَّةُ والدليلُ والبرهانُ مفردةً ومجموعةً.

وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البَيِّنَةُ على المُدَّعِي" (١) المراد به: بيانُ ما يصحِّحُ دعواه، والشاهدانِ من البَيِّنَة، ولا ريبَ أن غيرَهما من أنواع البيِّنة قد تكون أقوى منهما، كدِلالة الحال على صِدْق المدَّعِي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهدِ.

والبَيِّنَةُ والحُجَّةُ والدلالةُ والبرهانُ والآيةُ والتَّبْصِرةُ، كالمترادفة لتقارب معانيها.

والمقصود أن الشرعَ لم يُلْغِ القرائنَ ولا دلالات الحال، بل من استقرأَ مصادرَ الشرع ومواردَه وجدَه شاهدًا لها بالاعتبار مرتِّبًا عليها الأحكام.

وقولُ ابنِ عقيل: "ليس هذا فراسةً" يقال: ولا ضَيْر في تسميته فراسةً، فإنها فراسةٌ صادقةٌ، وقد مدح الله الفِراسةَ وأهلَها في مواضعَ من كتابه فقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)} [الحجر: ٧٥] وهم المُتَفَرِّسون، الذين يأخذون بالسِّيما، وهي العلامة. ويقال: تَوَسَّمْتُ فيك كذا، أي: تَفَرَّستُهُ، كأنك أخذتَ من السِّيما، وهي فِعْلًا من السِّمَة، وهي العلامةُ. وقال تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ (٢) فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [محمد: ٣٠]، وقال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: ٢٧٣] وفي الترمذي مرفوعًا: "اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله"، ثم قرأ: {إِنَّ فِي


(١) أخرجه البخاري رقم (٢٥١٤)، ومسلم رقم (١٧١١) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما-.
(٢) من قوله: "من السيما ... " إلى هنا سقط من (ع).