وأما دعواكَ أن الاستحالة تعملُ عملَها فنعم، وهي تقلبُ الطيبَ إلى الخبيث، كالأغذية إلى البول والعَذِرَة والدَّم، والخبيث إلى الطيب، كدم الطمث ينقلب لَبَنًا، وكذلك خروج اللَّبن من بين الفَرْث والدَّم، فالاستحالة من أكبر حُجَّتنا عليك؛ لأن المَنِيَّ دم قصرته الشهوة وأحالته الحرارة من طبيعة الدَّم ولونه إلى طبيعة المَنِيِّ، وهل هذا إلا دليلٌ على مفارقته للأعيانِ (١) النَّجِسَةِ وانقلابِه عنها إلى عينٍ أخرى، فلو أَعطيتَ الاستحالةَ حقَّها لحكمتَ بطهارته.
قال مُدَّعي النَّجاسة: المَذْي مبدأُ المَنِيِّ، وقد دلَّ الشرعُ على نجاسته حيث أمر بغسل الذَّكَر وما أصابه منه، وإذا كان مبدؤه نجسًا فكيف بنهايته؟! ومعلوم أن المبدأ موجودٌ في الحقيقة بالفعل.
قال المطَهِّر: هذه دعوى لا دليلَ عليها، ومن أين لك أن المَذْي مبدأ المَنِيِّ، وهما حقيقتان مختلفتانِ في الماهِيَّة والصِّفات والعوارض والرَّائحة والطبيعة، فدعواك أن المَذْي مبدأُ المَنِيِّ، وأنه مَنِيٌّ لم يَسْتَحْكمْ طبخُه، دعوى مجردة عن دليلٍ نقليٍّ وعقليٍّ وحِسِّي فلا تكون مقبولة، ثم لو سلَّمتُ لك لم يُفِدْك شيئًا ألبتَّةَ، فإنَّ للمبادئ أحكامًا تخالفُها أحكامُ الثواني، فهذا الدَّمُ مبدأُ اللبن، وحكمهما مختلفٌ، بل هذا المَنِيِّ نفسُه مبدأ الآدمي والآدميُّ طاهر العين، ومبدؤه عندك نَجِسُ العين، فهذا من أظهر ما يُفْسِدُ دليلَكَ ويوضح تناقُضَك، وهذا مَما لا حيلةَ في دفعه، فإن المَنِيَّ لو كان نجِسَ العين لم يكن الآدميُّ طاهرًا؛ لأن النجاسةَ عندَك لا تَطْهُرُ بالاستحالة، فلابُدَّ من نقض أحد أصليك، فإما أن تقولَ بطهارة المَنِيِّ، أو تقولَ: