النجاسةُ تطهرُ بالاستحالة، وأمَّا أن تقول: المَنِيُّ نجس، والنجاسةُ لا تطهر بالاستحالة ثم تقول مع ذلك بطهارة الآدمِيِّ، فتناقُضٌ مالَنا إلا النكيرُ له!!.
قال المُنَجِّسُ: لا ريبَ أن المَنِيَّ فضلةٌ مستحيلةٌ عن الغذاء، يخرجُ من مخرج البول، فكانت نجِسة كهو، ولا يَرِد عَلَيَّ البصاق والمخاط والدمع والعَرَق؛ لأَنها لا تخرجُ من مخرج البول.
قال المطهِّرُ: حكمُك بالنَّجاسة إما أن يكونَ للاستحالة عن الغذاء، أو للخروج من مخرج البول، أو لمجموع الأمرين، فالأول باطلٌ إذ مجرَّدُ استحالة الفَضْلة عن الغذاء لا يوجبُ الحكمَ بنجاستها، كالدمع والمُخَاط والبُصَاق، وإن كان لخروجه من مخرج البول؛ فهذا إنما يفيدُك أنه متنجِّسٌ لنجاسة مجراه، لا أنه نَجِسُ العين، كما هو أحد الأقوال فيه، وهو فاسدٌ، فإن المجرى والمقرّ الباطن لا يحكمُ عليه بالنجاسة، وإنما يحكمُ بالنَّجَاسة بعد الخروج والانفصال، ويحكم بنجاسة المنفصل لخُبثِه وعينِه لا لمجراهُ ومقرِّهِ، وقد عُلِم بهذا بطلانُ الاستناد إلى مجموع الأمرين.
والذي يوضِّحُ هذا: أنَّا رأينا الفَضَلات المستحيلة عن الغذاء تنقسمُ إلى طاهر؛ كالبُصاق والعَرَق والمُخاط، ونجس كالبول والغائط، فدلَّ على أن جهة الاستحالة غيرُ مقتضيةٍ للنجاسة، ورأينا أن النَّجاسة دارتْ مع الخبث وجودًا وعدمًا، فالبولُ والغائط (١) ذاتان خبيثتان مُنْتنتانِ مؤذيتانِ، مُتَمَيِّزَتانِ عن سائر فضلات الآدمي بزيادة الخَبَث والنَّتْن والاستقذار، تنفرُ منهما النفوس، وتنأى عنهما وتباعدهما.