للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنها (١) أقصى ما يمكنُ، ولا كذلك هذه الفَضْلة الشريفة التي هي مبدأُ خيار عباد الله وساداتهم، وهي من أشرفِ جواهر الإنسان وأفضل الأجزاء المنفصلة عنه، ومعها من رُوح الحياة ما تميَّزت به عن سائر الفضلات، فقياسُها على العَذِرة أفسدُ قياس في العالم وأبعدُه عن الصواب!!.

والله تعالى أحكمُ من أن يجعلَ مَحَالَّ وحيِه ورسالاته وقربِه مبادئهم نَجِسة، فهو أكرمُ من ذلك، وأيضًا: فإن الله تعالى أخبرَ عن هذا الماءَ وكرَّر الخبرَ عنه في القرآن، ووصفه مرَّة بعد مرَّة، وأخبر أنه دافق، وأنه {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)}، وأنه استودعه في {قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣)}، ولم يكنِ الله تعالى ليكرِّرَ ذكرَ شيءٍ كالعَذِرة والبول ويعيده ويبديه، ويخبر بحفظه في قرارٍ مكين، ويصفه بأحسن صفاته (٢) من الدفق وغيره، ولم يصِفْه بالمهانة إلا لإظهار قُدْرته البالغة أن خَلَقَ من هذا الماء الضعيف هذا البَشَرَ القوِيَّ السَّوِيَّ، فالمهينُ هاهنا: الضعيفُ، ليس هو النَّجِسَ الخبيث.

وأيضًا فلو كان المَنِيُّ نجسًا -وكلُّ نجس خبيث- لما جعله الله مَبْدأَ خَلْقِ الطَّيِّبينَ من عباده والطَّيِّباتِ، ولهذا لا يتكوَّنُ من البول والغائط طيِّبُ، فلقد أبعد النَّجعةَ من جعل أصولَ بني آدم كالبول والغائط في الخُبث والنجاسة، والناسُ إذا سبُّوا الرجل قالوا: "أصلُه خبيث، وهو خبيث الأصل"، فلو كانت أصولُ الناس نَجِسَةً -وكلُّ نجسٍ خبيثٌ- لكان هذا السب بمنزلة أن يقالَ: أصله


(١) (ق): "وتباعد عنهما".
(٢) (ع): "صفته".