للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نطفةٌ أو أصلُه ماءٌ، ونحو ذلك، وإن كانوا إنما يريدون بخُبْث الأصل كون النُّطفة وُضِعتْ في غير حلها فذاك خَبَثٌ على خَبَث، ولم يجعل اللهُ تعالى في أصول خواصِّ عباده شيئًا من الخبث بوجهٍ ما.

قال المنجِّسون: قد أكثرتم علينا من التَّشنيع بنجاسة أصل الآدمي وأطلتم القولَ، واعترضتم (١)، وتلك الشَّناعَةُ مشتركةُ الإلزام بينَنا وبينَكم، فإنه كما أن الله تعالى يجعلُ خواصَّ عباده ظروفًا وأوعية للنجاسة كالبول والغائط والدم والمَذْي، ولا يكونُ ذلك عائدًا عليهم بالعيب والذَّمِّ، فكذلك خلقُه لهم من المَنِي النَّجِس وما الفرق؟!.

قال المطهِّرون: لقد تعلَّقتم بما لا متعلَّق لكم به، واستروحتم إلى خيال باطل، فليسوا ظروفًا للنجاسات ألبتَّةَ، وإنما تصيرُ الفضلةُ بولًا وغائطًا إذا فارقت محلَّها، فحينئذ يُحْكم عليها بالنجاسة، وإلا فما دامت في محلها فهي طعام وشراب طيِّبٌ غير خبيث، وإنما يصيرُ خبيثًا بعد قذفه وإخراجه، وكذلك الدم إنما هو نجسٌ إذا سُفِح وخرج، فأما إذا كان في بَدَن الحيوان وعروقه فليس بنجس، فالمؤمن لا ينجسُ (٢) ولا يكون ظرفًا للخبائث والنجاسات.

قالوا: والذي يقطعُ دابرَ القول بالنَّجاسة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم أن الأُمَّهَ شديدةُ البَلْوى في أبدانهم وثيابهم، وفُرُشهم ولُحفهم، ولم يأمرهم فيه يومًا ما بغسل ما أصابه لا من بَدَن ولا من ثوب ألبتة، ويستحيلُ أن يكونَ كالبول، ولم يتقدَّم إليهم بحرف واحد في الأمر بغسْلِه، وتأخيرُ البيان عن وقت الحاجة إليه ممتنع عليه.


(١) (ق وظ): "وأعرضتم".
(٢) "فالمؤمن لا ينجس" سقطت من (ق).