للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحيٌ، فإن أردتَ بقولك: "إلا ما وافقَ الشَّرْعَ" أي: لم يخالفْ ما نَطَق به الشرعُ = فصحيح، وإن أردتَ: ما نطقَ به الشرعٌ (١) -فغلطٌ وتغليط للصَّحابة، فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمُثَل ما لا يجحدُه عالم بالسنن، (ق/٢٦٦ ب) ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة، وتحريق عليٍّ في الأخاديد وقال:

إني إذا شاهدتُ أمرًا مُنْكَرًا ... أجَّجْتُ نَارِي ودَعَوْتُ قنْبَرا (٢)

ونَفَى عُمَرُ نصرَ بن حجَّاجٍ (٣).

قلت: هذا موضعُ مَزَلَّةِ أقدام، وهو مقام ضْنكٍ ومعتركٌ صعب، فرَّطَ فيه طائفةٌ، فعطَّلوا الحدودَ وضيَّعوا الحقوقَ وجرَّأوا أهلَ الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعةَ قاصرةً لا تقومُ بها مصالحُ العباد، وسدَّوا على أنفسهم طُرُقًا عديدةً من طرق معرفة المحقِّ من المبطل (٤)، بل عطَّلوها مع عِلْمهم قطعًا وعِلْمْ غيرهم بأنها أدِلَّةُ حَقٍّ، ظنًّا منهم منافاتها لقواعد الشرع، والذي أوجبَ لهم ذلك نوعُ تقصير في معرفة الشريعة، فلما رأي ولاةُ الأمر ذلك، وأن الناسَ لا يستقيمُ أمرهم إلا (٥) بشيء


(١) "فصحيح وإن أردت ما نطق به الشرع" سقطت من (ظ).
(٢) قصة تحريق علي -رضي الله عنه- للسبيئة أو الزنادقة أخرجها البخاري رقم (٣٠١٧)، وقصة التحريق وإنشاد البيت أخرجه أبو طاهر المخلّص في حديثه بسندٍ حسن قاله الحافظ في "فتح الباري": (١٢/ ٢٨٢). على اختلاف في رواية البيت فى المصادر.
(٣) أخرج قصة نصر بن حجاج ابنُ سعد في "الطبقات" (٣/ ٢٨٥)، والخرائطي قي"اعتلال القلوب": (ص/ ٣٣٧ و ٣٣٩)، قال الحافظ: "بسندٍ صحيح"، "الإصابة": (٣/ ٥٧٩).
(٤) (ظ): "الحق من الباطل".
(٥) (ع): "ولا".