للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زائدٍ على ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أَحْدَثوا لهم قوانينَ سياسيةً ينتظمُ بها أمرُ العالمَ، فتولَّد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياسَتِهم = شرٌّ طويل، وفساد عريضٌ، وتَفَاقَمَ الأمرُ، وتعذَّرَ استدراكُهُ.

وأفرطتْ طائفة أخرى فسَّوغتْ منه ما يُنافي حكمَ الله ورسوله، وكلا الطائفتين أُتِيتْ من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله (١)، فإنَّ اللهَ أرسل رُسلَهُ وأنزل كُتبهُ ليقومَ الناسُ بالقسط، وهو العدل الذي به قامتْ السَّماواتُ والأرضُ، فإذا ظهرت أماراتُ العدل، وتبيَّنَ وجهُه بأيِّ طريق كان، فثَمَّ شرعُ الله ودينُه، والله تعالى لم يحصرْ طرُقَ العدل وأدلَّتَه وعلاماتِه في شيء، ونفى غيرَها من الطرق التي هي مثلُها أو أقوى منها، بل بيَّن بما شَرَعَهُ من الطُّرُق أن مقصوده إقامةُ العدل وقيام الناس بالقسط، فأيُّ طريقٍ اسْتُخْرِجَ بها العدلُ والقسطُ فهي من الدِّين.

لا يقال: "إنها مخالفةٌ له" فلا تقول: إن السياسةَ العادلةَ مخالفةٌ لما نطقَ به الشرعُ، بل موافقة لما جاء به، بل هي جزءٌ من أجزائه، ونحن نسمِّيها سياسةً تبعًا لمصطلحكم، وإنما هي شرعٌ حقٌّ. فقد حبس رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في تُهمة (٢)، وعاقب في تهمة (٣)، لما ظهر


(١) من قوله: "وكلا الطائفتين ... " إلى هنا سقط من (ع).
(٢) أخرجه أبو داود رقم (٣٦٣٠)، والترمذي رقم (١٤١٧)، والحاكم: (٤/ ١٠٢) وغيرهم من طريق بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهو حديث حسن كما قال الترمذي، وصححه الحاكم. ووقع في ق): "في نميمة".
(٣) تقدم في قصة الزبير وضربه لابن أبي الحقيق (٣/ ١٠٣٧).