وكذلكْ أرشدَهم في معاشِهِمْ إلى ما لو فعلوه لاستقامتْ لهم دنياهم أعظمَ استقامةٍ.
وبالجملة، فجاءهم بخير الدنيا والآخرة بحذافيره، ولم يجعل الله بهم حاجة إلى أحد سواه. ولهذا ختم اللهُ به ديوان النُّبُوَّة، فلم يجعلْ بعدَه رسولًا، لاستغناء الأُمَّة به عمن سواه، فكيف يظَنُّ أن شريعَتَهُ الكاملة المكملة محتاجة إلى سياسة خارجة عنها، أو إلى حقيقة خارجة عنها، أو إلى قياس خارج عنها، أو إلى معقول خارج عنها؟.
فمن ظنذَ ذلك فهو كمن ظنَّ أن بالناس حاجةً إلى رسول آخر بعده. وسبب هذا كلِّه خفاءُ ما جاء به (ظ/ ١٨٧ ب) على مَنْ ظَنَّ ذلك.
قال تعالى:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[العنكبوت: ٥١]، وقال:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل: ٨٩]، وقال:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: ٩]، وقال:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: ٥٧]، وكيف يَشفِي ما في الصدور كتاب لا يَفي بعشر معشار ما النَّاسُ محتاجون إليه على زعمهم الباطل.
ويالله العجبُ كيف كان الصحابةُ والتابعون قيلَ وضع هذه القوانين واستخراج هذه الآراء والمقاييس والأقوال؟ أَهَلْ (١) كانوا مهتدين بالنُّصوص أم كانوا على خلاف ذلك؟! حتى جاء المتأخرون أعلمَ