للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وأما منعُ الأب مِنْ خلع ابنتِهِ بشيءٍ من مالها فليست مسألةَ وِفاق، بل فيها قولان مشهوران، ونحن إذ قلنا: إن الذي بيده عُقدة النكاح هو الأبُ، وإن له أن يعفوَ عن صَدَاق ابنته قبل الدخول، وهو الصحيحُ لبضعة عشر دليلًا قد ذكرتها في موضع آخر (١)، فكذلك خلعُها بشيءٍ منْ مالها، بل هو أولى؛ لأنه إذا ملك إسقاط مالها مجانًا فَلأَنْ يملِكَ إسقاطَهُ ليُخَلَصَها من رقِّ الزَّوج وأسرِهِ ويُزَوِّجَها بمنْ هو خيرٌ لها منه = أولى وأحرى.

وهذه رواية عن أحمد ذكرها أبو الفرج في "مبهجه" (٢) وغيره، واختارها شيخُنا.

وأما قولُكم: إنه يخرج من مُلْكِهْ قهرًا بغير عِوَض فيما إذا طلَّق عليه الحاكم لإعسار أو عَنَت أو غيرها، فجوابه: أن الشارع إنما مَلَّكهُ البُضْعَ بالمعروف، وإنما ملَّكَه بحقِّه، فإذا لم يستمتعْ به بالمعروف الذي هو حقُّه، أخرجه الشارع عنه، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩]، وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨]، وقال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩]، فأوجب الله على الزوج أحدَ الأمرين، إما أن يُمْسِكَ بمعروف وإما أن يُسرِّحَ بإحسان، فإذا لم يُمسِكْ بمعروف ولم يُسَرحْ بإحسان (٣) سرَّح الحاكم عليه قهرًا.


(١) تقدمت الإشارة إلى هذا البحث (٣/ ١٠٣١) وانظر التعليق هناك.
(٢) هو: أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي المقدسي الحنبلي ت (٤٨٦)، من أصحاب القاضي أبي يعلى، له كتب منها "المبهج" نقل منه ابن رجب: بعض غرائبه. "ذيل الطبقات": (١/ ٦٨ - ٧٣).
(٣) من قوله "فإذا لم ... " إلى هنا ساقط من (ق).