للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه الصِّفةُ وهي الطُّهرية مخلوقةٌ معه، نُوِيَتْ أو لم تُنْوَ.

والاستدلالُ بهذا قريبٌ من الاستدلال بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨)} [الفرقان: ٤٨]، يوضح ذلك أيضًا: أن النيَّة: إن اعْتُبرت بجَرَيَان الماء على الأعضاء فهو حاصل، نوى أو لم ينوِ، وإن اعْتُبرت لحصول الوضاءَة والنظافة؛ فكذلك لا يتوقَّفُ حصولُها على نية، وإن اعتُبِرت لإزالة الحدث المتعلِّق بالأعضاء؛ فقد بَيّنَّا: أن الخَبَثَ (١) المتعلِّقَ بها أقوى من الحَدَث، وزوال هذا الأقوى لا يتوقَّفُ على النية فكيف الأضعف؟.

يوضحُه أيضًا: أنا رأينا الشريعةَ قد قسمت أفعالَ المكلَّفين إلى قسمين:

قسم: يحصل مقصودُه والمُرادُ منه بنفس وقوعه، فلا يعتبرُ في صحَّته نيةٌ؛ كأداء الديون، وردَّ الأمانات والنفقات الواجبة، وإقامة الحدود، وإزالة النجاسات، وغسل الطِّيْب عن المُحْرِم، واعتداد المفارقة وغير ذلك. فإن مصالحَ هذه الأفعال حاصلةٌ بوجودها ناشئة من ذاتها، فإذا وُجِدتْ حصلتُ مصالحها فلم تتوقَّفْ صحتها (٢) على نية.

القسم الثاني: ما لا يحصلُ مُراده ومقصوده منه بمجرَّدِه، بل لا يُكْتَفَى فيه بمجرد صورته العارية عن النية؛ كالتلفُّظ بكلمة الإسلام، والتلبية في الإحرام، وكصورة التَّيَمّم (ق/ ٢٧٩ أ) والطَّواف حول البيت، والسَّعي بين الصَّفا والمروة، والصلاة والاعتكاف والصيام، ولما كان


(١) (ق): "الحدث".
(٢) (ق): "مصالحها".