للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو غيرهما بالنية فعبثٌ محضٌ، ولا يصحُّ أن يكون ذلك إنشاء، فإن اللفظ لا يُنشئُ وجودَ النيّة، وإنما إنشاؤُها إحضارُ حقيقتها في القلب لا إنشاء اللَّفظ الدَّالِّ عليها؛ فعُلِمَ بهذا أن التَّلَفُّظَ بها عَبَثٌ محضٌ، فتأمَّلْ هذه النكتة البديعة.

والمقصودُ أن مثل هذه الأفعال المرتبة، التي لا تقعُ إلا عن علم وقصد، لا تكونُ إلا منويَّةً. وهذا بخلاف الاغتسالِ مثلاً، فإنه قد يقعُ لتنظيفٍ أو تبريد ونحوهما، فإن لم يقصدْ به رفع حَدَثه لم يكن منويًّا.

وكذلك أفعالُ الصلاة المرتبة التي يتبعُ بعضُها بعضًا لا تقعُ إلا منويَّةً. ولو تكلَّفَ الرجلُ أن يصلِّي أو يتوضأ بغير نِيَّةٍ لتعذَّر عليه ذلك، بل يمكن تصوُّرُه فيما إذا قصد تعليمَ غيره (١)، ولم يقصد العبادةَ، أو صلَّى وتوضأ مُكرهًا، وأما عاقلٌ مختار عالم بما يفعلُهُ يقعُ فعلُه على وفق قصده، فهذا لا يكونُ إلا مَنْوِيًّا.

فالنيةُ هي القصد بعينه، ولكن بينَها وبين القصد فَرْقَان:

أحدهما: أن القصد يتعلَّقُ بفعل الفاعل نفسه، وبفعل غيره، والنيةُ لا تتعلَّقُ إلا بفعله نفسه، فلا يتصوَّر أن ينويَ الرجلُ فعلَ غيره، ويتصوَّر أن يقصدَه ويريده. الفرق الثاني: أن القصد لا يكون إلا لفعل مقدور يقصده الفاعل، وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه. ولهذا جاء في حديث أبي كَبْشَةَ الأنماري الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن


(١) (ع): "قصده تعليم لغيره".