للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قول القائل: استعماله عبادة بمجرد طبعه، فحصول التَّعَبُّد والتقرُّب (١) به لا يحتاجُ إلى نية، وهذا بيِّنُ البُطلان، وهذا حرفُ المسألة (٢): وهو أن التَّعَبُّدَ به مقصودٌ وهو متوقِّفٌ على النية، والمقدمتانِ معلومتانِ غنيتانِ عن تقرير.

وقد أجابهم بعض الناس بأن منع أن يكونَ في الماء قوَّة أو طبعٌ، وقال: هذا مبنيٌّ على إثبات القُوَى والطبائع في المخلوقات، وأهلُ الحقِّ ينكرونه، وهذا جوابٌ فاسدٌ يرغب طالب الحق عن مثله! وهو باطلٌ طبعًا وحِسًّا، وشرعًا وعقلاً، وأهلُ الحق هم المُتَّبِعُون للحَقِّ أين كانَ، والقرآن والسُّنَّة مملوآن من إثبات الأسبابَ والقُوَى، والعقلاء قاطبةً على إثباتها سوى طائفة من المتكلِّمين حَمَلَتهم المبالغةُ في إبطال قول القَدَرِيَّة النُّفَاة (٣) على إنكارها جملةً.

والذي يكشفُ سِرَّ المسألة: أن التبريدَ والرِّيَّ والتنظيفَ حاصلٌ بالماء ولو لم يُرِدْهُ، وحتى لو أراد أن لا يكونَ، وأما التعبُّدُ لله بالوضوء فلا يحصلُ إلا بنيَّة التَّعَبُّدِ، فقياسُ أحد الأمرين على الآخر مِنْ أفسد القياس، فالحاصلُ بطبع الماء أمر غيرُ التعبد الذي هو مقوم لحقيقة الوضوء الذى لا يكونُ وضوءًا إلا به، وبهذا خرج الجوابُ عن قولهم: "إن عملَه في رفع الخَبَث إذا لم (٤) يتوقَّفْ على نِيَّةٍ، فَأَنْ لا يتوقَّفَ (ف/ ٢٨١ أ) رفعُهُ للحَدَث أوْلى" فإن رفع الخَبَث (٥) أمرٌ حِسِّيٌّ


(١) (ظ): "والثواب".
(٢) يعني: سرها، أو محل النزاع فيها. وقد استعمل المؤلف هذا التعبير في عدد من كتبه.
(٣) (ع): "والنفاة".
(٤) (ق): "الذي لا".
(٥) (ع): "الحدث".