للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشاهَدٌ لا يستدعي أن يكونَ رافِعُه من أهل العبادة، بل هو بمنزلة كَنْس الدار، وتنظيفِ الطُّرُقات، وطرح المَيْتات والخبائث.

يوضِّحُه: أن زوالَ النَّجاسة لا يفتقرُ إلى فعل من المكلَّف ألبتَّةَ، بل لو أصابها المطرُ فأزال عينَها طَهُرَ المحلُّ بخلاف الطَّهارة من الحَدَث، فإن الله أمَرَ بأفعال متميِّزة لا يكونُ المكلَّفُ مؤدِّيًا ما أُمِر به إلا بفعلها الاختياري الذي هو مَنَاطُ التكليف، وبهذا خرج الجوانبُ عن قولهم: "النية إن اعْتُبرت بجَرَيان الماء على الأعضاء، أو لحصول الوَضاءة لم يفتقرْ إلى نيَّة ... " إلى آخره.

قولهم: "الشريعةُ قسمت الأفعالَ إلى قسمين؛ قسم: يحصلُ منه مقصوده بمجرده (ظ/١٩٦ أ) من غير نيَّة، وقسم: لا يحصل إلا بالنيَّة"؛ فمسلَّم.

قولُهم: "إنَّ الوضوءَ من القسم الأول" دعوى محل النِّزاع، فلا يقبلُ.

قولهم في تقريرِها: "المقصود (١) الوَضاءة والنظافة وقيام العبد بين يدي رَبَّه على أكمل أحواله".

فجوابه: أن لله على العبد عُبودِيَّتين: عبوديَّة باطنة وعبوديَّة ظاهرة، فله على قلبه عبوديَّةٌ، وعلى لسانه وجوارحه عبوديةٌ، فقيامه بصورة العبودية الظاهرة مع تَعَرِّيه (٢) عن حقيقة العبوديَّة الباطنة مما لا يُقَرِّبُه إلى ربِّهِ، ولا يُوجِبُ له ثوابه وقبول عمله، فإنَّ المقصود امتحانُ القلوب وابتلاء السرائر، فعمل القلبِ هو روُح العبودية ولُبُّها، فإذا خلا عملُ الجوارح منه كان كالجسدَ المَوَات (٣) بلا رُوح، والنية هي


(١) (ظ): "لمقصود".
(٢) (ع): "نفرته".
(٣) ليست في (ع).