للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عملُ القلب الذي هو مَلِكُ الأعضاء والمقصود بالأمر والنهي، فكيف يسقطُ واجبُه، ويعتبر واجبُ رعيتِه وجندِه وأتباعه اللاتي إنما شُرِعَتْ واجباتُها لأجله ولأجل صلاحه، وهل هذا إلا عكسُ القضية وقلب الحقيقة!.

والمقصودُ بالأعمال كلها ظاهرها وباطنها إنما هو صلاحُ القلب وكماله وقيامه بالعبودية بين يدي ربه وقيومه وإلهه، ومن تمام ذلك قيامُه هو وجنودُه في حضرة معبوده وربِّه، فإذا بعث جنودَهُ ورعيِته، وتغيَّب هو عن الخدمة والعبودية، فما أجدَرَ تلك الخدمَةَ بالرَّدِّ والمقت، وهذا مَثَلٌ في غاية المطابقة، وهل الأعمالُ الخاليةُ عن عمل القلب إلا بمنزلة حَرَكات العابثين، وغايَتُها أن لا يَتَرَتَّبَ عليها ثوابٌ ولا عقابُ؟!.

ولما رأى بعضُ أربابِ القلوب طريقةَ هؤلاء انحرفَ هو إلى أن صرف هَمَّه (١) إلى عبوديَّةَ القلب، وعطَّل عبودية الجوارح، وقال: (ق/ ٢٨١ ب) المقصودُ قيامُ القلبِ بحقيقةِ الخدمة (٢)، والجوارح تَبَعٌ. والطائفتان متقابلتان أعظمَ تقابَل؛ هؤلاء لا التفاتَ لهم إلى عبوديَّة جوارحهم، ففسدت عبوديةُ قلوبهم، وأولئك لا التفات لهم إلى عبودية قلوبهم، ففسدت عبوديَّة جوارِحِهِم، والمؤمنون العارفون بالله وبأمره قاموا له بحقيقة العبوديَّة ظاهرًا وباطنًا، وقدموا قلوبَهم في الخدمة، وجعلوا الأعضاءَ تَبَعًا لها، فأقاموا المَلِكَ وجنودَه في خدمة المعبود، وهذا هو حقيقةُ العبودية.

ومن المعلوم أن هذا هو مقصودُ الرَّبِّ تعالى بإرسالِهِ رُسُلَه،


(١) (ع): "هو إلى صَرْف همته".
(٢) (ق): "العبودية".