للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنزالِهِ كُتُبَهُ، وشَرْعِهِ شرائِعَه، فدعوى المدَّعي أن المقصودَ من هذه العبودية حاصل، وإن لم يصحبْها عبوديَّةُ القلبِ من أبطل الدعاوى وأفسدها، والله الموفق.

ومن تأمَّلَ الشريعة في مصادرها ومواردها؛ علمَ ارتباطَ أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع (١) بدونِها، وأن أعمالَ القلوب أفرضُ على العبد من أعمال الجوارح، وهل يُمَيَّزُ المؤمنُ عن المنافق إلا بما في قلب كلِّ واحد منهما من الأعمال التي ميَّزت بينها، وهل يُمْكِنُ أحدٌ الدخولَ في الإسلام إلا بعمل قلبه قبلَ جوارحه، وعبوديَّةُ القلب أعظمُ من عبوديَّة الجوارحِ وأكبرُ (٢) وأدْوَمُ، فهي واجبةٌ في كلِّ وقت، ولهذا كان الإيمانُ واجبَ القلب على الدَّوام، والإسلامُ واجبَ الجوارح في بعض الأحيان، فمركَّبُ الإيمانِ القلبُ، ومركَّب الإسلامِ الجوارحُ، فهذه كلمات مختصرةٌ في هذه المسألة، لو بُسِطَتْ لقاْمَ منها سِفْرٌ ضخمٌ، وإنما أُشيرَ إليها إشارة.

وحرفُ المسألة: أنَّ أعمالَ الجوارح (٣) إنما تكونُ عبادةً بالنيَّة، والوضوءُ عبادةٌ في نفسِه، مقصودٌ مرتَّبٌ عليه الثواب، وعلى تركه العقابُ، وكما يجبُ في العِبادات إفرادُ المعبود تعالى عن غيره بالنِّيَّةِ والقصد، فيكون وحدُه المقصودَ المُرادَ (٤) بها لا سِواه، فكذلك يجبُ فيها تمييزُ العبادة عن العادة، ولا يقعُ التمييزُ بين النوعين مع اتحاد صورة


(١) (ق): "تقع".
(٢) (ق وظ): "وأكثر".
(٣) "أن أعمال الجوارح" سقطت من (ق).
(٤) بعده في (ظ) والمطبوعات: "فكما أنه يجب في العبادات إفراد المعبود تعالى بها" والمعنى بدونها مستقيم، وزيادتها تكرار وحشو.