للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَنَل مِن نسيمِ البانِ والرَّنْد نفحةً .... فهيهاتَ وادٍ يُنْيِتُ البانَ والرَّنْدا

وكُرَّ إلى نجدٍ بطَرْفِكَ إنه .... متى تسرِ لا تنظرْ عقيقًا ولا نجدا (١)

انظر يمنَةً فهل ترى إلَّا محنة، ثم اعطِفْ يسْرَةً فهل ترى إلَّا حسرةً، أما الرَّبْعُ العَامِرُ فَدَرَسَ، وأما أَسْر المَمَاتِ ففَرَسٌ، وأما الراكبُ فَكَبَتْ به الفَرَسُ، ساروا في ظُلَم ظلامهم، فما عندَهم قَبَسٌ، ووقفت بهم سفن نجاتِهم لأن البحرَ يَبَسٌ. وانقلبت تلك الدولُ كلُّها في نَفَس، وجاء مُنْكَرٌ بآخر "سبأ"، ونَكِيرٌ بأول "عَبَسَ". أفلا يقوم لنجاته مَنْ طالما قد جَلَسَ.

يا نفسِ ما هي إلَّا صبرُ أيامِ ... كأن مُدَّتَها أضغاثُ أحلامِ

يا نفسِ جوزي عن الدُّنيا ولَذَّتِها .... وخَلِّ عنها فإن العيشَ قدامي (٢)

* ألا يصبر طائر الهوى عن حَبَّةٍ مجهولةِ العاقبة، وإنَّما هي ساعةٌ ويصلُ إلى برج أَمْنِه، وكم فيه من حبة:

وَإنْ حَنَنْتَ للحِمَى وروضِهِ ... فبِالغَضا ماءٌ وروضاتٌ أُخَرْ

حاصلُ الكُتُب من الطَّير أقوى عَزِيمة منك، فلعل وضْعَكَ على غير الاعتدال، لَا تكون الرُّوح الصافيةُ إلَّا في بَدَد معتدل، ولا الهمة العالية إلَّا لنَفْس نفيسة.

إذا حمل الطائر الرسالةَ صابرَ العزيمةَ ولازَمَ بطونَ الأوديةِ، فإن خَفِيَتْ عليه الطريقُ تَنَسَّمَ الرياحَ وتلمَّحَ قرصَ الشمسِ وتستَّرَ، وهو


(١) "المدهش": (ص / ٤٧٩ - ٤٨٠).
(٢) البيتان لأبى العتاهية "ديوانه": (ص/ ٣٩١)، والبيت الثاني في الديوان:
يا نفس كوني عن الدنيا مُبَعَّدة .... وخلِّفيها فإن الخير قُدَّامي