للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمرين جميعًا، ولم يقبل الإيمان وعقد الإسلام إلا باقترانهما واجتماعهما، فصار معني الاثنين: سبِّح ربك بقلبك ولسانك، واذكر ربك بقلبك ولسانك، فأقحم الاسمَ تنبيهًا على هذا المعنى، حتَّى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ بالألسان؛ لأن ذكر القلب متعلَّقه اللفظ مع مدلوله، لأنَّ اللفظ لا يُراد لنفسه، فلا يتوهم أحد أن اللفظ هو المسبَّح دون ما يدل عليه من المعنى.

وعبَّر لي شيخُنا أبو العباس ابن تيمية -قدّس الله روحه- عن هذا المعنى بعبارة لطيفة وجيزة، فقال: المعنى: سبِّح ناطقًا باسم ربك متكلِّمًا به، وكذا سبح اسم ربك، المعني: سبِّح ربَّك ذاكرًا اسمه، وهذه الفائدة تساوي رحلة، لكن لمن يعرف قدرها. فالحمد لله المنان بفضله، ونسأله تمام نعمته.

حجة ثالثة لهم (١)، قالوا: قال تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا} [يوسف: ٤٠] وإنّما عبدوا مُسمَّياتها.

والجواب: أنَّه كما قلتم: إنّما عبدوا المسميات، ولكن من أجل أنهم نحلوها أسماء باطلة، كاللات والعزى، وهي مجرد أسماء كاذبة باطلة، لا مسمَّى لها: في الحقيقة. فإنهم سموها: آلهة، وعبدوها لاعتقادهم حقيقة الإلهية لها، وليس لها من الإلهية إلا مجرد الأسماء؛ لا حقيقة المسمى، فما عبدوا إلا أسماء لا حقائق لمسمياتها، وهذا كمن سمي قشور البصل: لحمًا، وأكلَها، فيقال: ما أكلت من اللحم إلَّا اسمه لا مسماه، وكمن سمّى التراب: خبزًا، وأكله، فيقال:


(١) انظر: نتائج الفكر": (ص / ٤٥ - ٤٦).