للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسرُّ المسألة: أن القرعةَ إنما تعملُ في إنشاء التَّعيين الذي لم يكنْ، لا في إظهار تعيين كائن (١) قد نُسي، فهذا ما احتج به من نصر هذا القول.

وأما من نصرَ القولَ بالقُرعة، فقالوا: الشارع جعل القرعةَ معيِّنة في كلِّ موضع تتساوى فيه الحقوق ولا يمكنُ التَّعيينُ إلا بها، إذ لولاها لزمَ أحدُ باطلين: إما الترجيحُ بمجرد الاختيار والشَّهوة، وهو باطلٌ في تصرَّفات الشارع، وإما التَّعطيلُ ووقف الأعيان، وفي ذلك من تعطُلِ الحقوق وتضرُّرِ المكلفين ما لا تأتي به الشريعةُ الكاملة، بل ولا السيَاسةُ العادلة، فإن الضَّرَر الذي في تعطيل الحقوق أعظمُ من الضَّرَر المقدَّر في القُرعة بكثير، ومحال أن تجيءَ الشريعةُ بالتزام أعظم الضَّرَرَيْنِ لدفع أدناهما.

وإذا عرِفَ هذا؛ فالحقُّ إذا كان لواحدٍ غير معين فإن القُرْعة تُعَيِّنُهُ، فيُسْعد اللهُ بها من يَشاء، ويكون تعيينُ القُرعة له هو غايةَ ما يقدرُ عليه المكلَّفُ، فالتعيينُ بها تعيينٌ لتعلُّق حكم الله لما عيَّنته، فهي دليل من أدلَّة الشرع واجبٌ العمل به، وإن كان في نفس الأمرِ بخلافه؛ كالبَيِّنة والإقرار والنكول فإنها أدلة منصوبة من الشَّارع لفَصْل النزاع، وإن كانت غيرَ مطابقة لمتعلِّقها في بعض الصور، فلهذا نصب الشارع القرْعة معيِّنةَ للمستحق قاطعةً للنزاع.

وإن تعلَّقت بغير صاحب الحقِّ في نفس الأمر، فإن جماعة المستحقِّين إذا استووا في سبب الاستحقاق لم تكن القُرعةُ ناقلةً لحق أحدهم ولا مُبْطِلَةً له، بل لما لم يكنْ (٢) تعميمُهم كلُّهم ولا حرمانُهم


(١) (ف وظ): "كامن".
(٢) كذا في (ع وق) ومعناه متَّجِه، و (ظ): "لما يمكن".