للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلُّهمِ، وليس أحدُهم: أولى بالتَّعيين من الآخرين، جُعِلَتِ القُرعَةُ فاصِلة بينهم مُعَيِّنَة لأحدهم، فكأن المقرع يقول: اللَّهُمَّ قد ضاق الحقُّ عن الجميع وهم عبيدُك، فخصَّ من تشاءُ منهم به، ثم تُلقى القرعةُ فيسعدُ اللهُ بها من يشاءُ ويحكمُ بها على من يشاءُ.

فهذا سرُّ القرعة في الشرع، وبهذا عُلِمَ بطلان قول من شبهها بالقِمار، الذي هو ظلم وجَوْرٌ، فكيف يُلْحَق غايةُ الممكن من العدل (ق / ٣٠٦ ب) والمصلحة بالظلم والجور، هذا من أفسد القياسْ وأظهره بطلانًا، وهو كقياس البيع على (ظ / ٢١٤ أ) الرِّبا، فإن الشريعةَ فرقت بين القُرعة والقمار، كما فرَّقَتْ بين الرِّبا والبيع، فأحلَّ اللهُ البيعَ وحرَّم الربا (١)، وأحل الشارع القرعةَ وحرم القمار. وقد قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)} [آل عمران: ٤٤] وقال تعالى (٢) إخبارًا عن ذي النون: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١)} [الصافات: ١٤١] وقد احتجَّ الأئمة بشرع من قبلنا، جاء ذلك منصوصًا عنهم في مواضعَ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان إذا أراد سفرًا أقْرعَ بين نسائه، فأيتُهُنَّ خرجَ سهمُها خرجَ بها معه" (٣).

وثبت عنه في "الصحيح" (٤) أيضًا: "أن رجلًا أعتقَ ستَّةَ مملوكين لا مالَ له سِوَاهم، فجزَّأهُمُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثلاثةَ أجزاء، وضرب عليهم


(١) من قوله: "فإن الشريعة ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٢) من قوله: "وما كنت لديهم ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٣) أخرجه البخاري رقم (٢٥٩٣)، ومسلم رقم (٢٧٧٠) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٤) أخرجه مسلم رقم (١٦٦٨) من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه-.