للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسهمي رِقٍّ وسهم حريَّةٍ، فأعتقَ اثنينِ وأرَقَّ أربعة"، وكلّ ما ذكروه في الطلاق فهو منتقَضٌ عليهم بهذه الصورة، بل القرعةُ في الطَّلاق أولى؛ لأن القُرْعَةَ هاهنا إنما هى لجمع الحرية في بعضهم، وقد كان في الممكن أن يعتقَ من كل واحد سُدسهُ، ويَسْتَسْعي في بقية نفسه -كما يقول أبو حنيفة- أو يترَكُ رقيقًا، ومع هذا فأقرعَ بينهم لجمع الحرية في اثنين منهم، وعين بها عبدين من الستة مع تشوُّفه إلى العتق، وحكمه له بالسّرَاية (١) في ملكه وملك شريكه، فما الظَّنّ بالطَّلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله ورسوله؟!.

ولأنَّا لو لم نستعملِ القرعةَ في المنسيَّةِ لزِم أحد محذورين:

إمّا إيقاع الطلاق على الأربع إذ أنسيت بينهنَّ وهذا باطلٌ، لأنه يتضمَّن (٢) تحريمَ من لم يطلقها ولا حرمها الله عليه.

وإمّا أن يعطَلَ انتفاعُه بهنَّ ويتركهُنَّ معلقاتٍ أبدًا إلى الممات، ومع هذا نوجب عليه نَفَقَتَهن وكسوتَهن وإسكانَهُنَّ، ونقول: لا يحلّ لك قربان واحدة منهنَّ، وعليك القيامُ بجميع حقوقهنَّ، فهذا لو جاءَ به الشارع لقوبل بالسمع والطاعة، ولكن حكمة شرعِهِ ورحمتِهِ تأباه، ولا شاهدَ من شرعه له يُرَدُّ إليه ويُعْتبر به.

وأما القول بالقُرْعة؛ فقد ذكرنا من أصول شرعه ما يَدلّ عليه، وأنه أولى الأقوال في المسألة، وقد روى البخاري في "صحيحه" (٣): "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَ على قوم اليمينَ فأسرعوا، فأمرَ أن يسْهَمَ بينهم


(١) (ع): "حكمه به فى السراية".
(٢) (ع): "لم يتضمن" وهو خطأ.
(٣) رقم (٢٦٧٤) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.