للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أجاب السُّهيلى (١) عن البيت بجواب آخر، وهذا حكاية لفظه، فقال: "لبيدٌ لم يُرِدْ إيقاع التسليم عليهم لحينه، وإنّما أراد بعد الحول، ولو قال: "السلام عليكم"؛ كان مسلِّمًا لوقته الَّذي نطق فيه بالبيت، فلذلك ذكر الاسم الَّذي هو عبارة عن اللفظ، أي: إنّما اللفظ بالتسليم بعد الحول، وذلك أن السلام دعاء، فلا يتقيَّد بالزمان المستقبل، وإنّما هو لحينه، ألا ترى أنَّه لا يقال: "بعد الجمعة اللهم ارحم زيدًا ولا: "بعد الموت اللهم اغفر لي إنّما يقال: "اللهم اغفر لي بعد الموت"، فيكون "بعد" ظرفًا للمغفرة، والدعاء واقع لحينه، فإن أردت أن تجعل الوقت ظرفًا للدعاء صرَّحت بلفظ الفعل، فقلت: "بعد الجمعة أدعو بكذا، أو أسلم، أو أَلْفِظ بكذا"؛ لأنَّ الظروف إنّما تُقيد (٢) بها الأحداث الواقعة فيها خبرًا، أو أمرًا، أو نهيًا. وأما غيرها من المعانى، كالطلاق، واليمين، والدعاء، والتمني، والاستفهام، وغيرها من المعاني، فإنّما هي واقعة لحين النطق بها، ولذلك (٣) يقع الطلاق ممن قال: "بعد يوم الجمعة. أنت طالق"، وهو مُطلق لحينه، ولو قال: "بعد الحول. والله لأخرجنَّ"، انعقدت اليمين في الحال، ولا ينفعه أن يقول: أردت أن لا أوقع اليمين، إلّا بعد الحول؛ فإنه لو أراد ذلك، لقال: "بعد الحول


(١) هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ الخثعمي المالقي الضرير، أبو زيد وأبو القاسم السُّهيلي، من علماء اللغة، وهو صاحب الروض الأُنُف" وغيره، وكلامه هذا في كتابه "نتائج الفكر" وقد تقدمت الإشارة إليه. ت (٥٨١).
انظر: "وفيات الأعيان": (٣/ ١٤٣)، و "إنباه الرواة": (٢/ ١٦٢)، و"نكت الهِمْيان": (ص / ١٨٧).
(٢) (د): "يريد".
(٣) (ظ): "وكذلك".