فأما الأمر، والنهى، والخبر، فإنّما تقيَّدت بالظروف؛ لأنَّ الظروف في الحقيقة إنّما يقع فيها الفعل المأمور به، والمخْبَر به، دون الأمر والخبر، فإنهما واقعان لحين النطق بهما. فإذا قلت: "أضرب زيدًا يوم الجمعة"، فالضرب هو المقيد بيوم الجمعة، وأما الأمر، فأنت في الحال آمرُ به، وكذلك إذا قلت: "سافر زيد يوم الجمعة"، فالمتقيِّد باليوم المخبر به لا الخبر، كما أن في قوله: "اضربه يوم الجمعة"، المقيد بالظرف المأمور به، لا أمرك أنت، فلا تعلق للظروف إلا بالأحداث، فقد رجع البابُ كلُّه بابًا واحدًا، فلو أن لبيدًا قال: "إلى الحول ثم السلام عليكما"؛ لكان مسلِّمًا لحينه، ولكنه أراد أن لا يوقع اللفظ بالتسليم والوداع إلا بعد الحول، ولذلك ذكر الاسم الَّذي هو بمعنى اللفظ بالتسليم؛ ليكون ما بعد الحول ظَرْفًا له".
وهذا الجواب من أحد أعاجيبه وبدائعه -رحمه الله-.
وأما قوله:"باسم الماء" والماء المعروف هنا هو الحقيقة المشروبة، ولهذا عرَّفه تعريف الحقيقة الذهنية، والبيت لذي الرُّمَّة (١)، وصدره:
* لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إِلَّا ما تَخَوَّنَهُ *
ثم قال:"دَاعٍ يُنَادِيْه باسْمِ الماء ... "، فظن الغالط أنَّه أراد حكاية صوت الظبية، وأنها دعت ولدها بهذا الصوت، وهو "مِآمِآ"، وليس هذا مراده؛ وإنّما الشاعر أَلْغَزَ لما وقع الاشتراك بين لفظ "الماء" المشروب، وصوتها به، فصار صوتها كأنه هو اللفظ المعبِّر